شهد العقد الماضي زيادة ملحوظة وواضحة في عدد الوصفات الطبية لهرمون الذكورة للرجال، أو هرمون التيستيرون، وهو ما ترافق أيضاً مع زيادة مماثلة في حجم الشكوك في أن هذه المادة البيولوجية الفعالة يساء استخدامها، وفي مقدار المخاوف من أن العواقب الصحية لذلك قد تكون غير حميدة، وربما حتى خطيرة. ويمكن إدراك حجم الزيادة في عدد متعاطي هرمون الذكورة خلال العقد الماضي من الإحصائيات التي تظهر أنه منذ عام 2001 وحتى الآن، تضاعف عدد المستخدمين في الولايات المتحدة وحدها، بمقدار ثلاثة أضعاف، ليصل حالياً إلى 1,7 مليون رجل ممن تخطوا سن الأربعين. ولا يختلف الوضع كثيراً في بريطانيا، التي زاد عدد وصفات هرمون التيستيرون فيها بمقدار الضعف خلال الفترة الزمنية نفسها. وبوجه عام، ومن المنظور العالمي، زاد حجم سوق مبيعات العلاج الهرموني للرجال بمقدار 12 ضعفاً، ليصل حالياً إلى أكثر من 1,8 مليار دولار (6,6 مليار درهم) سنوياً. وهذه الأرقام والبيانات، تشير إلى أحد احتمالين؛ إما أن ذكور الجنس البشري أصبحوا يتعرضون لوباء من نقص هرمون الذكورة -خلال العقد الماضي بالتحديد- أو أن شركات صناعة الأدوية، خاصة تلك التي تصنع وتسوّق وتبيع هرمون التيستيرون، قد نجحت في خلق حالة طبية وهمية، دفعت بالملايين لتناول وتعاطي هرمون، ليسوا في حاجة حقيقية له. الاحتمال الأول، أي وباء نقص هرمون الذكورة، مستبعد إلى حد كبير. فعلى الرغم من أن الممارسات الطبية التقليدية تعتمد على هذا الهرمون لعلاج بعض الحالات الطبية، كأنواع وأصناف محددة من الاختلالات والاضطرابات الوراثية، أو للمرضى الذين يتلقون علاجاً كيماوياً نتيجة الإصابة بأحد الأمراض السرطانية، مما أدى لتوقف الخصيتين عن العمل، وأثر على قدرة الجسم على إنتاج هرمون التيستيرون. إلا أن كل تلك الحالات مجتمعة، لهذين السببين وغيرهما من الأسباب، تقل في الواقع عن نسبة نصف في المئة من الذكور. وإن كانت تلك الحالات، هي التي اعتمدت عليها شركات الأدوية، في الحصول على موافقة هيئة الأغذية والعقاقير الأميركية لتسويق وبيع الهرمون. وبما أن الاحتمال الأول مستبعد، حيث لم يتعرض ذكور الجنس البشري لتغيرات بيولوجية، أو بيئية، أو غذائية -خلال العقد الأخير بالتحديد- تجعل من حدوث وباء نقص هرمون الذكورة احتمالاً مقبولاً؛ لذا يصبح الاحتمال الثاني، أي نجاح أساليب التسويق المختلفة التي وظفتها شركات الأدوية، في خلق الاعتقاد لدى الكثيرين بأن ما يلاحظونه من علامات التقدم في العمر، هو في الحقيقة نقص في هرمون الذكورة. وأساليب التسويق تلك، اعتمدت على حقيقة بيولوجية ثابتة -لدى الإنسان وبقية الكائنات الحية- مفادها أن التقدم في السن، خصوصاً مع الدخول في عقد الأربعينات للرجال، يتصاحب بانخفاض تدريجي في النشاطات الحيوية، مثل القوة العضلية، وحجم النشاط البدني، ومقدار الرغبة الجنسية، وغيرها من النشاطات. وبدلاً من أن يصبح هذا الانخفاض التدريجي، جزءاً لا يتجزأ من رحلة الحياة، وعملية بيولوجية طبيعية 100 في المئة، نجحت شركات الأدوية من خلال حملات إعلانات مستمرة في معظم القنوات التي يشكل الرجال الجزء الأكبر من مشاهديها في الولايات المتحدة والدول الغربية، وخصوصاً القنوات الرياضية وقنوات الأخبار، في إقناع الملايين بأن المشكلة ليست تقدمهم في العمر، بل في انخفاض ما تنتجه أجسامهم من هرمون الذكورة. وهذه الإعلانات، التي تصنفها شركات الأدوية على أنها «حملات توعية صحية»، غالباً ما تظهر رجالاً اشتعلت رؤوسهم شيباً، تتأبط أذرعهم فتيات يصغرنهم بعد عقود، تعتلي وجوههن ابتسامات واسعة. وللأسف، لا يوجد أي نص قانوني يجبر شركات الأدوية التي تحاول تسويق منتجاتها بشكل مباشر للمستهلك العادي، على ذكر الأعراض الجانبية والمضاعفات، سواء كان هذا المنتج هو هرمون الذكورة أو غيره من الأدوية والعقاقير. وإن كان مؤخراً، بدأ الإدراك بين العامة وأفراد المجتمع الطبي على حد سواء، بحجم المخاطر والمضاعفات التي قد تنتج عن تعاطي هرمون الذكورة. ففي دراسة نشرت في شهر نوفمبر الماضي في إحدى الدوريات الطبية الشهيرة والمرموقة، ظهر أن احتمالات الإصابة بالسكتة الدماغية، والذبحة الصدرية، والوفاة، تزداد بنسبة 30 في المئة بين الرجال الذين يتناولون هرمون التيستيرون. ومثل هذه الدراسات وغيرها، تعيد للذاكرة القصة الشهيرة للعلاج الهرموني للنساء، التي قد يصفها البعض بالكارثة الطبية. فلسنوات وعقود، تلقت ملايين النساء، ممن تخطين سن اليأس، علاجاً هرمونياً عرف بالإحلال أو الاستبدال الهرموني، بهدف خفض نسبة الكوليستيرول في الدم، والوقاية من أمراض القلب، وزيادة الرغبة والنشاط الجنسي، وربما حتى زيادة كثافة العظام. ولكن لاحقاً أظهرت الدراسات الطبية أن هذا العلاج الهرموني يتسبب أيضاً في زيادة احتمالات الإصابة بسرطان الثدي، والسكتة الدماغية، والذبحة الصدرية. وما يخشاه كثيرون الآن، أن سيناريو قصة العلاج الهرموني للنساء، تتكرر أحداثه مع العلاج الهرموني للرجال. فعلى الرغم من الفوائد التي قد يجنيها البعض حالياً من هذا الهرمون، ربما تصبح قصته في النهاية، كارثة طبية أخرى، يدفع ثمنها الملايين من الرجال.