بعد مداولات واجتماعات متواصلة استمرت أكثر من عشر سنوات، توصلت دول مجلس التعاون الخليجي خلال الاجتماع الدوري لوزراء المالية، الذي عقد بالكويت الأسبوع الماضي إلى قرار مهم للغاية يتعلق بالتوافق على حل كافة العقبات التي تعيق التطبيق الكامل للاتحاد الجمركي الخليجي، والذي اتفق على البدء به جزئياً منذ يناير 2003. لقد كانت العقبة الأساسية تكمن في توزيع الحصيلة الجمركية بين دول المجلس، إذ تفاوتت الآراء حولها بسبب الثقل التجاري لكل دولة، حيث يتوقع أن تقر القمة القادمة للمجلس الأعلى التطبيق الكامل للاتحاد الجمركي اعتباراً من يناير 2015، وهو ما اتفق عليه مسبقاً. بهذا القرار تكون قد شرعت الأبواب واسعة أمام إنجاز بقية بنود السوق الخليجية المشتركة، وهو ما سوف يشكل نقلة نوعية أخرى على طريق الاتحاد الاقتصادي الخليجي، الذي تسعى دول المجلس إلى تحقيقه في السنوات القادمة. وإذا كان التطبيق الجزئي للاتحاد الجمركي منذ عام 2003 قد ساهم مساهمة فعالة في زيادة حجم التجارة البينية بين دول المجلس، والذي تضاعف أكثر من ثلاث مرات ليبلغ 100 مليار دولار في عام 2012 مقابل 32 مليار دولار في عام 2005، فإن التطبيق الكامل سيؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في حجم التجارة البينية بعد إزالة كافة العقبات التي تعيق انتقال السلع والخدمات بسلاسة، بما فيها المنتجات الوطنية. ورغم هذا الارتفاع، فإنه يبدو متواضعاً أمام الأرقام المتنامية للتجارة الخارجية لدول المجلس، والتي بلغت 1.4 تريليون دولار في عام 2012 لتشكل 90 في المئة تقريباً من الناتج المحلي، في حين بلغت حصة الصين وحدها 173 مليار دولار من إجمالي التجارة الخارجية للدول الست مجتمعة. من جانب آخر، فإن التعاون الخليجي وصل إلى مرحلة تتطلب اتخاذ قرارات جذرية بخصوص السوق المشتركة، فالتجارة البينية رغم تضاعفها بين دول المجلس، إلا إن نسبتها لا تزال متواضعة إذا قورنت بالنسب المماثلة للتجارة البينية في التجمعات الاقتصادية الأخرى، إذ تبلغ 60% تقريباً في الاتحاد الأوروبي و25% في مجموعة «الآسيان»، مقابل أقل من 10% في المجموعة الخليجية في العام الماضي، مقابل 5.7% في عام 2002 أي قبل التطبيق الجزئي للاتحاد الجمركي. ومع أن التركيبة السلعية المتشابهة لدول المجلس تشكل عقبة أمام زيادة هذا التبادل البيني، إلا أن الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة سيؤديان إلى تسهيل انتقال السلع والاستثمارات وفتح المجال أمام إقامة المزيد من المشاريع المشتركة، والتي يمكن أن تساهم في التنوع السلعي، خصوصاً وأن السوق الخليجية الواحدة ستشكل منفذاً تسويقياً كبيراً نسبياً، مقارنة بالأسواق الصغيرة المنفردة. لذلك يشكل هذا الاتحاد الجمركي أهمية بالغة لكافة دول المجلس الساعية إلى تنويع مصادر الدخل لتقليل الاعتماد على العائدات النفطية، سواء لتمويل الموازنات السنوية أو لتنفيذ مشاريعها التنموية، إذ أن السوق المشتركة ستؤدي حتماً إلى تطوير القطاعات الاقتصادية غير النفطية في دول المجلس. المفرح في الأمر ليس فقط التوصل إلى هذا الاتفاق والجدية في تطبيقه، وإنما أيضاً مستوى النضج الذي وصل إليه التعاون الاقتصادي الخليجي، إذ أن هذا الاتفاق تم في ظل تفاوت المواقف السياسية بين دول المجلس حول عدد من القضايا، إلا أن ذلك لم يؤد إلى عرقلة اتخاذ مثل هذا القرار، ما يعني أن المصالح المشتركة لدول المجلس أصبحت تقف على قمة الأولويات، كما أن هناك فصلاً بين هذه المصالح التي يجب أن تسير وفق البرامج المتفق عليها وبين أية تفاوتات مؤقتة ربما تحدث، ويمكن حلها ضمن البيت الخليجي الواعد، بل إن هذه المصالح المشتركة أصبحت تلعب دوراً أساسياً في تقريب كافة المواقف وعلى كافة الأصعدة، مما يبشر بتجمع خليجي يحمل الكثير من الخير والتقدم لدول المجلس مجتمعة.