استعرض أستاذ جامعي خليجي في موقع «تويتر» صوراً له وهو يستقبل ضيوفاً في مجلس منزله، وكانت الأبهة واضحة على الديكورات والأثاث والمقتنيات، وكان المجلس عنواناً للفخامة. وبعد أيام نشر الرجل نفسه صورة مركبة، الأولى يجلس فيها الرئيس الأميركي أوباما في مطعم «همبرجر» مع رئيس الوزراء الروسي ميدفيديف الذي كان رئيساً لروسيا وقت التقاط الصورة، وفي الصورة الثانية كان بعض قادة الخليج يجلسون إلى طاولة كبيرة في قاعة اجتماعات ضخمة تحف بها الفخامة من كل جانب وتتدلى من سقفها ثريات عملاقة. وأياً كانت الرسائل التي تكتنفها تلك الصورة المركبة، فإنه من العجيب أن يطير بها أستاذ جامعي يرفل في النعيم، ويعيش في فيلا لا تقل فخامة عن القصور الرئاسية الخليجية إلا بقليل، ولا يمكن أن يستقبل ضيوفه في «كشك» أمام المارة، ثم يقدم لهم قطعاً من «السمبوسة». هذا لا يمكن أن يصدر من مواطن خليجي عادي، فما بالكم بأستاذ جامعي! والمشكلة ليست في تلك الصورة المركبة فقط، فأسلوب المقارنات البعيدة عن المنطق سائد هذه الأيام بالذات، خصوصاً فيما يخص القادة والحكّام، فبعض العقول الخليجية لا تريد من الغرب إلا قادته، والصناديق الانتخابية التي تحملهم إلى قصور الرئاسة، والمحاسبة التي يتعرضون لها، والمعارضة التي تهاجمهم، والصحافة التي تهتك خصوصياتهم، والدراجات الهوائية التي يتنقلون بها بين مقار حكوماتهم وبرلماناتهم، وطاولات «الهمبرجر» التي يتقاسمونها مع ضيوفهم، وهذا كله لا ينطبق على ميدفيديف وبوتين اللذين تداولا السُلطة والمراكز فيما بينهما بطريقة ديمقراطية! يحلم هؤلاء بأن يستيقظوا في الصباح ليجدوا رئيساً على الطراز الغربي يدير أمورهم، أما هم كأفراد، فيظلون على عاداتهم وأفكارهم عاكفين لا يرضون عنها بديلا، فهو يرفض فكرة المواطنة الكاملة، فكيف يتساوى ـ وهو مَنْ هو- مع ابن بلده الذي يختلف عنه في الدين أو المذهب أو العِرق أو الطبقة أو الفئة أو الجهة؟! ولا يقبل أن يسأله كائنٌ من كان «تلت التلاتة كام؟»، ويقيم الدنيا إن انتقده شخص في عمله وينظر للأمر على أنه شخصنة، ويتجه إلى القضاء إن اقترب أحد من خصوصياته الكثيرة، أما الدراجة الهوائية فيشتريها لأطفاله، وأما الضيوف فيفتح لهم أبواب مجلسه العامر. كما أن الرئيس الغربي «الحلم» له مواصفات من صنع أيديهم لا علاقة لها بالواقع، إذ من غير المقبول أبداً أن يحكم دولهم شخص في مثل حالة أوباما الذي لا يزال بعض إخوته على غير دين الأغلبية التي يحكمها، أو جون كينيدي الكاثوليكي وسط أغلبية بروتستانتية، أو نيكولا ساركوزي ابن المهاجر المجري والأم اليهودية، أو مارجريت تاتشر، وهي امرأة لا مكان لها في عقول الكثيرين إلا في المطبخ، وهي ابنة بقال وحفيدة إسكافي، ونعرف الحساسية المرضية التي نعاني منها من المهن البسيطة. كما أن المحاسبة في نظرهم لا تكون على أداء الحاكم فحسب كما في الغرب، إذ كيف يرضون بحاكم مثل أوباما الذي أقر بتعاطيه الحشيش في شبابه؟! أو كلينتون الذي اعترف أمام العالم بوجود علاقة جنسية بينه وبين مونيكا؟! نرفض الحضارة الغربية التي أتت بفكرة الصناديق، ونرفض الثقافة الغربية التي يتصرف تحت ظلها قادة غربيون بطريقة غير مقبولة لدينا لكنها عسلٌ على قلوب شعوبهم، بل بعضنا يستخف بأصحاب السيارات المتواضعة، ويستنكف عن الخروج من البيت حاسر الرأس ولو لمشوار بسيط، لكنه يريد زعيماً يردف زعيم بلد آخر على دراجة هوائية.