يبدو أن قصة الثورة الليبية دخلت مرحلة جديدة بعد ثلاث سنوات على انطلاقها في 17 فبراير 2011 ،بعد أن أعلن اللواء المتقاعد خليفة حفتر انطلاق «عملية الكرامة» بهدف إعادة رسم خريطة طريق جديدة لليبيا، وإسقاط سيطرة الجماعات الإسلامية، وإسقاط المؤتمر الوطني الليبي والحكومة الليبية، ومحاربة المليشيات المسلحة الموالية لجماعة «الإخوان المسلمين» في ليبيا، فقام بحل المؤتمر الوطني الذي كان قد اختار رئيس الوزراء أحمد معيتيق، رجل الأعمال الذي تعتبره دوائر السياسة الليبية مقرباً من تنظيم «الإخوان المسلمين» في الرابع من مايو الجاري، حيث دعا أعضاء الحكومة والمؤتمر الوطني إلى الاستسلام، وأنهم لن يتعرضوا لأي أذى. وأعلن أن الخطوة الأولى في خريطة الطريق تشمل تولي رئيس مجلس القضاء الأعلى رئاسة البلاد وإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها تحت إشراف القوات المسلحة، وأعلنت القوات المسلحة والشرطة تأييدهما لحفتر. لقد تميزت الحالة الليبية عن الحالة في تونس ومصر بدموية الصراع منذ انطلاق الثورة الليبية، وساهمت التدخلات الخارجية الدولية والعربية في تحويل دفة الأحداث وإطاحة نظام القذافي، وما إن دخلت ليبيا مرحلة ما بعد القذافي حتى انكشف ضعف البنية السياسية الليبية وتعثر والمسار الانتقالي. وتمر ليبيا بأزمة سياسية مستشرية، حيث يهيمن تحالف الإسلاميين المكون من حزب العدالة والبناء -الإخوان المسلمين- والجماعة الليبية المقاتلة السابقة وقوى «جهادية» انخرطت في العمل السياسي وتحالفات قبلية ومليشيات، على مؤسسات الدولة الانتقالية، ونجحت في تقليص المساحة السياسية التي حازها تحالف القوى الوطنية ذو التوجه الليبرالي، بعدما تم إقرار ما سمي بـ«قانون العزل السياسي» الذي فرضه أعضاء الميليشيات الثورية في بداية العام الماضي 2013 والهادف لاستبعاد أعضاء النظام السابق من المشاركة في الحياة السياسية. فالمؤتمر الوطني الليبي المنتخب في عام 2012، يسيطر عليه الإسلاميون، وقد اشتعل الخلاف بعد أن قام النواب بتجديد ولاية المؤتمر الوطني العام قبل فترة قصيرة من انقضاء فترة ولايته الأصلية في السابع من فبراير الماضي. وتتقاطع القوى السياسية في الساحة الليبية مع تحالفاتها من الميليشيات العسكرية، فتتشابك السياسة مع القوة العسكرية لتنتج وضعاً فريداً ومقلقاً، وتكمن في غياب الدولة والمؤسسات والأمن، وتقوم الدولة الليبية على ثلاث مرجعيات، القبيلة والمدينة والجهة (الإقليم). وتعبر الفئات عن ردود فعلها وقلقها عبر توظيف القوة وعمليات مسلحة واغتيالات ومحاصرة المؤسسات. وأخذت مؤسسات الدولة تدريجياً بالانهيار الكامل، وليس البناء التدريجي للدولة الجديدة، وباتت ليبيا على شفا التفكك بعد تنامي النزعات الانفصالية، سواء في الشرق أو الجنوب، وعاد استخدام مصطلح «صوملة» ليبيا لوسائل الإعلام، بعد أن طرزت الميليشيات المسلحة الخريطة الليبية، «في ظل غياب خطير للجيش الوطني الليبي. وتتداخل في الساحة الليبية المصالح الدولية والإقليمية، وتمتد مشاكل ليبيا الأمنية لدول الجوار الجغرافي، بينما تساعد جغرافيتها المترامية على احتواء الجماعات والمليشيات الإرهابية. لقد تحولت ليبيا بعد سقوط القذافي ساحة للميليشيات العسكرية وللسلاح واستقطبت التطرف بأشكاله الأيديولوجية، ودخلت ليبيا في حالة فلتان أمني يصعب، بل يستحيل تقدير نهايتها، ويمتد تأثير الانفلات الأمني في ليبيا إلى دول الجوار الست ويتجاوزها، وقد امتد تأثير الانفلات الأمني إلى أن ليبيا أصبحت مصدرة رئيسية للسلاح وللمقاتلين الأجانب في سوريا. وعوداً على بدء، لقد وصفت السلطات الانتقالية عملية الكرامة بـ«الانقلاب» إلا أن جدية التهديد دفعتها إلى تقديم مقترحات لحل الأزمة تضمنت وقف عمل المؤتمر الوطني العام إلى حين إجراء الانتخابات العامة المقبلة. والاحتمالات مفتوحة على الساحة الليبية، فقد تنقذ حرب الكرامة السقوط المتسارع للدولة الليبية وللمؤسسات الانتقالية الهشة (المؤتمر الوطني- والحكومة)، وقد تدخل البلاد في حرب أهلية في ضوء سيطرة الجماعات الإسلامية والميليشيات التابعة لها على مفاصل الدولة واستبعاد الاستسلام، أو التنحي بسهولة، بعد أن وصفت حرب الكرامة بـ«الانقلاب» على الشرعية، فالمرحلة الانتقالية في ليبيا ستطول، والاستقرار السياسي مؤجل حتى إشعار آخر.