قرأت مؤخراً تصريحات أخرى لرئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، جانيت يلين، أدلت بها في مناسبة أقامها صندوق النقد الدولي قبل أيام، وقرأت أيضاً نص محادثتها مع مديرة «الصندوق» كريستين لاجارد. وقد جمعت فعالية «صندوق النقد» لفيفاً من الشخصيات البارزة في المجتمع المالي والاقتصادي العالمي. وفي واحد من أهم خطاباتها عن السياسات النقدية حتى الآن، اقتنصت يلين فرصة الحدث للإجابة عن بعض أكثر القضايا إلحاحاً التي تواجه رؤساء البنوك المركزية المعاصرين. وترتكز معظم هذه القضايا حول عبء محاولة استعادة النمو الاقتصادي، وفي الوقت نفسه، تحفيز توفير فرص العمل واستقرار الأسعار واستقرار السوق. وهناك سبع ملاحظات في خطاب يلين، تشير في مجملها إلى أن «المركزي الأميركي» سيبقي على نهج السياسة التدريجية الحالية. وبالطبع ترحب الأسواق، المكيفة على توقع دعم قوي وثابت من «البنك المركزي»، بهذا الموقف. لكن تصريحات يلين تشي أيضاً بالحاجة إلى تحول هادئ من نمو تحفزه السياسات إلى نمو اقتصادي عضوي. بيد أنه إذا أسيئت إدارة هذا التحول، فإنه سيثير اضطرابات اقتصادية ومالية من جديد. وأولى الملاحظات: تدرك رئيسة البنك المركزي أن الاقتصاد العالمي «يراوح مكانه»، وأن أسعار الفائدة أقل من المستويات التاريخية. ثانياً: أسعار الفائدة هذه، مثلما أشارت يلين، يمكن «أن تدفع المشاركين في أسواق المال إلى البحث عن العائدات والإقبال على المخاطر»، لكنها أضافت: «إن المبالغة في مثل هذه المخاطرة قد تسهم في هشاشة النظام المالي». ثالثاً: لا يمكن السعي إلى الاستقرار المالي بمعزل عن الرفاهية الاقتصادية، إذ إن النظام المالي الذي يعمل بمرونة يشجع على الادخار والاستثمار بصورة فعالة، ويسهل النمو الاقتصادي والتوظيف. رابعاً: يولي الوضع الراهن أهمية أكبر لفعالية السياسات الكلية الحذرة كخط رئيسي للدفاع ضد الإفراط المالي في السوق. خامساً: رغم إحراز تقدم في تعزيز سبل الوقاية من الأزمات الاقتصادية عبر اتخاذ تدابير حذرة على صعيد سياسات الاقتصاد الكلي، لكن لا تزال هناك حاجة إلى المزيد من الإجراءات. وأوضحت يلين، آخذة ذلك في الحسبان، أنها لم تضع السياسات النقدية في الإجمال كتدبير لاستخدامه عندما تحدث تجاوزات مالية. سادساً: على البنوك المركزية أن تواصل التفكير بطريقة مبتكرة في أدوات إضافية يمكن استخدامها في تعزيز الاقتصاد والحفاظ على الاستقرار المالي في ضوء القيود التي تواجهها في استخدام أسعار الفائدة كوسيلة اقتصاد كلي فعالة. وأخيراً: أفادت يلين بأنه سيكون من المفيد أن يسعى صناع السياسات في أنحاء العالم لإجراء الإصلاحات اللازمة لدفع عجلة الإنتاج في الاقتصادات الغربية. وتؤكد تصريحات يلين المهمة أن «المركزي الأميركي» سيبقي على نهج السياسات التدريجية الحالية؛ أعني التسامح مع التيسير المالي، أملاً في أن يفضي ذلك في النهاية إلى مزيد من النمو الاقتصادي الديناميكي. وعليه سيواصل البنك التغاضي عن خطورة عدم الاستقرار المالي في المستقبل لصالح المكاسب الاقتصادية قريبة الأجل عندما يفكر بشأن أسعار الفائدة. وفي هذه الأثناء، لا ينبغي على المستثمرين أن يعتقدوا أن تصريحات يلين تمثل الوضع الدائم لشؤون «المركزي الأميركي»؛ ذلك أن البنك يدرك بالفعل الظروف المواتية لحدوث فقاعة في أسواق مالية محددة، ويدرك أنه توجد بعض الإجراءات الحذرة التي يمكن اتخاذها لتقييد المخاطر على النظام المالي. --------- يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»