تمر منطقة الشرق الأوسط بمرحلة صعبة لم يعرف لها التاريخ مثيلاً منذ الحرب العالمية الأولى، وهي المنطقة التي استحوذت على نسبة كبيرة في الاتهام بتصدير ما يعرف بإرهاب القوى الإسلامية الراديكالية. وهي منطقة تشكل عصب الاقتصاد العالمي، وقد شكلت عبر التاريخ أحد أهم المصادر الحيوية للاقتصاد الدولي، وهي اليوم تشكل أيضاً أكبر التحديات التي تواجه العالم. وقد قامت السياسة الخارجية الأميركية على معادلة الفصل بين قوى الاعتدال التي تحالفت معها، ونظم سياسية تتسم بالراديكالية شكلت جبهة ممانعة ضد المصالح الأميركية! واليوم تتغير المعادلة، فالاعتدال ليس له وجوده الملموس بذات القدر السابق، والراديكالية تراجعت هي أيضاً وحلت محلها قوى إسلامية متطرفة تسعى للسيطرة على السلطة! والمنطقة انقسمت بين معسكرين، في سياق الاستقطابات الشيعية والسُّنية، ومحاور التحالف تندرج ضمن هذا التقسيم الجديد، والسؤال: إذا ما دفعت واشطن في اتجاه تعميق الانقسام الطائفي فهل تحقق مصالحها؟ أم أنها تندفع نحو مزيد من التدهور في سياستها الخارجية؟ هناك اعتقاد بأن تنامي الراديكالية الإسلامية لا يشكل مصدر قلق للغرب، وهو اعتقاد ساد لفترة زمنية مما جعل الغرب ينتهج سياسة اللامبالاة. ولكن الواقع الجديد الذي نجم عن الحرب في سوريا، وتنامي خطر القوى الدينية الراديكالية في أفريقيا وآسيا، جعل الغرب يعيد التفكير في سياساته. فاليوم التوسع في النشاط التقني للجماعات الدينية الراديكالية جعلها تحاول توسيع عدد من تغرر بهم، ووصل الأمر إلى حد السعي لاستقطاب حتى بعض غير المسلمين من الأوروبيين لينضموا إلى تلك الجماعات المتطرفة. كما جعل الجاليات المسلمة في الغرب أحد أهم مصادر التوتر في المجتمعات الغربية نفسها. وفي هذه الأثناء يحاول الغرب فهم أبعاد انتشار ظاهرة التطرف الإسلامي، وكيفية مواجهة موجاته التي باتت تهدد الاستقرار في المجتمعات الغربية، فهي اليوم تتفاقم باطراد، وتوظف الوسائل النفسية في تعبئة مواطني المجتمعات الغربية، وتستغل الثغرات وخصوصاً أن الأزمة توسعت، حيث تحولت بعض المنظمات الدينية المتطرفة إلى مصدر استقطاب للجيل الثاني والثالث من المهاجرين الذين يشعرون بتعثر في الاندماج في الثقافة الغربية. وعلى رغم انغماسهم في المدارس إلا أنهم قد يجدون أنفسهم منفصلين جغرافياً عن المجتمعات التي هاجر إليها أجدادهم. والغرب يعترف بالمشكلة، ويرى أن الفشل في سياسات الاندماج أدى إلى تسرب هؤلاء إلى المنظمات الدينية الراديكالية. والراهن أن الأزمة التي تتمثل في خطر القوى الدينية الراديكالية تشكل ظاهرة عالمية، وليست ظاهرة مرتبطة جغرافياً بالمنطقة العربية وحدها، فهذا التوسع يهدد الاستقرار العالمي وليس المنطقة العربية فقط، مما يتطلب فهم أبعاد الأزمة والأسباب التي دعت إلى هذا التوسع في حجم الخطر.. والغرب قد لا يدخل، على الأرجح، في حروب مع تلك الجماعات، ولن يعيد المشهد الأفغاني، بل قد نجد صيغ تحالفات جديدة، ومحاولات تفاهم مع تلك القوى للحد من خطرها. والغرب يضع سياسات تبتعد عن المواجهات الأمنية، بينما على أرض الواقع نجد أن تلك الجماعات الدينية تحولت أحياناً إلى «شبه دول»، لها مصادرها المالية الكبيرة وهي اليوم تمول عملياتها، وقادرة على الإضرار، وبث الخوف، مما يجعل الدول في حاجة إلى تفكير استراتيجي جديد قائم على فهم واقعي لطبيعة وحجم خطر تلك الجماعات، وأسباب توسعها، وخصوصاً أن هناك أعداداً من المغرر بهم في صفوفها ينتمون إلى بعض الدول العربية، مما يدعونا إلى أن نفكر أكثر من مرة في الأسباب التي دفعت إلى تفاقم خطر هذه الظاهرة. وبكل تأكيد فإن أحد جذور وأسباب تغول الجماعات الدينية المتطرفة يعود إلى التوظيف السياسي للدين، الذي أضر بمصالح الدول والشعوب، على حد سواء.