يشهد الخطاب السياسي في الولايات المتحدة تصدعاً بسبب قضية عدم المساواة. ويتبنى بعض المعلقين هذه القضية باعتبارها منتجاً ثانوياً لا مفر منه للأسواق الحرة. بينما يقول البعض الآخر إنها قضية مبالغ فيها بشكل كبير. لكن كل من الرأيين ضار ومضلل. أما المدافعون عن عدم المساواة، فيبدؤون بحقيقة لا تقبل الجدل: الأسواق الحرة تعتمد على عدم المساواة، إذ تلهم أولئك الذين يملكون القليل لكي يبذلوا جهداً أكبر. لكن هذا لا يفسر لماذا كانت معدلات عدم المساواة أقل بكثير في الجيل الماضي. ففي 1979، كان راتب الرئيس التنفيذي أعلى من راتب العامل بـ29 مرة، أما في 2011، فهو يفوقه بـ231 ضعفاً. ووفقاً لتقدير اثنين من أبرز الباحثين، وهما «توماس بيكيتي» و«إيمانويل سايز»، فإن عدم التكافؤ قد ارتفع، وذلك عند دراسة بيانات العائدات الضريبية. فالإقرارات الضريبية تكون مفيدة عند النظر في التغييرات في المستويات الأعلى دخلاً لأن مكتب الإحصاء، المصدر الوحيد للبيانات الدقيقة، يحاسب الجميع بعد مبلغ معين (250 ألف دولار حالياً). ويقول الخبيران «بيكيتي» و«سايز» إن متوسط الدخل قد ارتفع بنسبة 15 بالمائة خلال 33 عاماً حتى سنة 2011. أما الحد الأدنى من الدخل، المطلوب انضمامه إلى نادي الـ1 بالمائة، فقد ارتفع بنسبة 62 بالمائة خلال الفترة المذكورة. أما متوسط الدخل لنادي الـ1 بالمائة فقد زاد بنسبة 129 بالمائة. إن عبارة «السوق دفعني لأفعل ذلك» ليست هي الاستجابة الكاملة لهذه الحقائق. فالسؤال هو: كيف يمكن الدفاع، ليس عن عدم المساواة عموماً، ولكن عن المستويات الحالية من عدم المساواة؟ لقد قبل «جريجوري مانكيو»، وهو خبير اقتصادي بارز وله مؤلفات عديدة، هذا التحدي. وفي بحثه حول «الدفاع عن الـ1 بالمائة»، لا يجادل «مانكيو» في زيادة معدلات عدم التكافؤ، لكنه يفسرها كنتيجة للعولمة والطلب المتزايد على أصحاب التعليم العالي، خاصة الموهوبين في الاقتصاد الرقمي. وإذا كانت التكنولوجيا والعولمة تفسران الارتفاع في معدلات عدم المساواة في الولايات المتحدة، فقد يتوقع المرء رؤية معدلات مشابهة من الارتفاع في عدم التكافؤ في أماكن أخرى. لكننا نرى بدلاً من ذلك المزيد من النمو المعدل. وثمة تفسير أكثر اكتمالاً يشمل «التماس الربح»، وهو الموضوع الذي رفضه «مانكيو» بسرعة. والفكرة هي أن الناس يبحثون عن وسائل مختصرة للحصول على الثروة أو السلطة من خلال تحريك مصالحهم من خلال أية وسائل متاحة لهم، لكن دون خلق قيمة اقتصادية جديدة. تخيل أنك الرئيس التنفيذي لشركة تسعى للحصول على مزايا ضريبية جديدة لمزرعة الكيوي الخاصة بك، حيث إن هذا الحافز من الناحية النظرية سيشجع مزارعي الكيوي في الولايات المتحدة لتشغيل المزيد من العمال. فما عليك إلا استئجار عضو بجماعة ضغط متخصص في الضرائب وتتوجه للاجتماع بأعضاء الكونجرس. لا يتم مطلقاً مناقشة أي شيء يتعلق بالمال عندما تدافع عن قضيتك، ولكن هذا العضو سيتولى تفسير ما هو المتوقع منك ومن لجنة العمل السياسي بشركتك. وفي النهاية، يدعوك هذا العضو للإعلان وسط ضجة كبيرة أنه قد ضمن لك الحصول على إعفاء ضريبي، ولكن لمدة عامين فقط. وبعد كل شيء، يفسر عضو جماعة الضغط أن الإعفاء الضريبي باهظ الثمن، وأن الناس يريدون معرفة ما إذا كنت ستفي بوعودك فيما يتعلق بتوفير فرص عمل. وبعد مرور عامين، يتعين عليك بدء هذه العملية من جديد، لكنك ستطلب هذه المرة «تمديد» التجديد الدوري للإعفاءات الضريبية «المؤقتة». الجميع في هذه القصة منخرطون في التماس الربح، لكنك على الأقل كنت وكيلاً شفافاً وأميناً للمساهمين. أما عضو جماعة الضغط والمشرعون الذين أيدوك فهم السادة الحقيقيون لطلب الربح، ويجب عليك أن تدفع لكل منهم، ليس مرة واحدة ولكن كل عامين إذ أردت تجديد الإعفاء الضريبي الخاص بك. لقد خلقوا لأنفسهم إيرادات سنوية من تجديدات الإعفاءات الضريبية الخاصة بك. والواقع أن الجميع تقريباً ينخرطون في السعي وراء الربح. ويشير «جوزيف ستيجليتز» في كتابه «ثمن عدم المساواة» إلى أن السعي وراء الربح يفسر الارتفاع في الدخول الأعلى في الولايات المتحدة. وقد كان جزء كبير مما حدث في قطاع التمويل في مطلع العقد الأول من القرن الحالي بسبب السعي وراء الربح، وحتى «مانكيو» يعترف بهذا جزئياً. لكنه يرفض اعتبار السعي وراء الربح بصورة عامة كتفسير. لكنه يفعل ذلك عبر تفسيره بصورة محددة كضغط سياسي من أجل حقوق الاحتكار وما شابه ذلك. كما يتجاهل المدافعون عن عدم المساواة، أمثال «مانكيو» الدور الذي يلعبه الحظ المطلق في نتائج السوق، ودور أموال الأسرة في تحديد النجاح. فالثروة، أياً كانت طرق الحصول عليها، يمكن استثمارها بصورة مفيدة حتى من قبل الأبناء. فالطفل المتمكن بدرجة معتدلة يمكن تدريبه وحثه وإلحاقه عن طريق التزلف والرشوة بجامعات الطبقة العليا ثم تقديمه إلى دائرة أصدقاء والديه الأثرياء للحصول على أول وظيفة. ومن الواضح الآن أن الثروات الهائلة بمقدورها شراء العلاقات والامتيازات الخاصة مع الحكومة التي تبذل جهداً أكبر لتحويل ثروات اليوم الهائلة إلى سلاسل. كما يشير «مانكيو» إلى حجم المعوقات التي يفرضها الفقر؛ إذ يؤدي إلى تآكل القدرة المعرفية والتطور البدني والعقلي الذي ينتج عن التغذية الكافية والمساواة في الفرص التعليمية. إن المدافعين عن الوضع الراهن لا يجدون إجابة عن أسباب ارتفاع معدلات عدم المساواة في الدخل في الولايات المتحدة. وهناك شيء فريد في الولايات المتحدة، ليس في أسواقها ولا استثماراتها الشحيحة نسبياً، ولكن في عدم تكافؤ الفرص بين الأميركيين. وهذه أكبر من أن تكون قضية أخلاقية أو اجتماعية، فالبيانات تشير إلى أن الولايات المتحدة تقدم حراكاً اجتماعياً واقتصادياً أقل مما تقدمه مثيلاتها من الدول، الأمر الذي يناقض الأساطير التي تعتبر الولايات المتحدة أرض الفرص. إدوراد كلاينبارد أستاذ بكلية «جولد» للقانون بجامعة جنوب كاليفورنيا ـ ـ ـ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»