من المشهور عن العرب تعصبهم لأحسابهم وأنسابهم وولائهم لقبائلهم وعشائرهم، وافتخارهم بها. من هنا نفهم قول جرير: إذا غضبت عليك بنو تميم – حسبت الناس كلهم غضاباً. جاء الإسلام ليروض تلك العصبية والفخر قال تعالى « يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا». فلا بأس بالفخر لكن بقدر، ولابد من العصبية لكن بطرق منطقية، فلما كان شعار العرب قديماً «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» جاء حديث الرسول عليه الصلاة والسلام «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قيل يارسول الله انصره مظلوماً فكيف انصره ظالماً: قال تحجزه أو تمنعه عن ظلمه، فإن ذلك نصره». إنه المنطق والعقل والعدل، هذا هو ديننا الذي به نفخر. العصبية العربية الجديدة هي عصبية الانتماء والولاء للجماعات الإسلامية، فمن يعيش في أحضان تلك الجماعات برهة من الزمن، وينال حظه من التربية السرية الفكرية فيها يجد أنها تربي جيلاً من الناس على نوع من التعصب قد نهى عنه الإسلام في حقيقية الأمر. هذه العصبية أخطر من عصبية العرب في الجاهلية، لأنها تقود إلى تشرذم يؤدي إلى تنافر بين الناس، ومتى ما تطور ذلك الاختلاف إلى خلاف، شهر البعض سلاح لسانه للنيل من أقرانه، وبعد معركة اللسان تؤجج حرب السنان وهذا ما نعيشه اليوم. العصبية في الجماعات الإسلامية تبدأ من مبدأ نحن الحق المطلق وغيرنا في ضلال مطبق، فلا يقرؤون إلا كتب ألفها من ينتمي لجماعاتهم، ولا يسمعون محاضرة يقدمها من لا ينتمي لهم، لهم جرائدهم الخاصة ومجلاتهم التي ينهلون منها، وتطور المجال فاقتحموا عالم الفضاء الإلكتروني كي لايسمع أتباعهم إلا ما يراد لهم سماعه، وفي ذلك طاعة للجماعة، وتمضي تلك العصبية، ففي المسجد تجد هوية واضحة لطريقة الصلاة والعبادة، بل تستطيع تصنيفهم حسب ملابسهم وهيئتهم، وكأن الإسلام لم ينزل إلا على أمثالهم، ولم يفهمه إلا من كان على ولائهم. هذه التربية جعلتهم من حيث يدركون أو لا يدرون يطبقون مقولة فرعون التي ذمها الله تعالى: « لا أريكم إلا ما أرى»، فلا رأي إلا رأي ذلك الأمير، وتلك الجماعة، وما عليك سوى السمع والطاعة، وما هي النتيجة الواقعية لهذه العصبية. حروب فكرية نراها تشتعل بين الحين والآخر تؤججها قنوات فضائية تقتبس من الأخبار ما يعجبها، وتنقل الصورة ليس بمهنية عالية بقدر ما هي سموم يراد بها رش الزيت على النار كي تستعر دول الجوار. وما الافتراءات المتكررة حول الإمارات العربية المتحدة وجهودها الإنسانية إلا مؤشر واضح في هذه القضية، فبأي منطق تُقلب الحقائق إلى زيف مطبق؟ وكيف يُحول فعل الخير إلى مؤامرة كونية بالتعاون مع الجهات الصهيونية لهدم القضية الفلسطينية؟ كيف يُنسف تاريخ الإمارات الداعم لفلسطين وأهلها منذ قيام الاتحاد عبر فبركة إعلامية تبعتها تغريدات شيطانية عبر المواقع الإلكترونية، يجمعها رابط واحد هو العصبية «الإخوانية» ضد الإمارات العربية المتحدة؟ فمن المستفيد من هذه الفبركة المهنية؟ هل انتصرت القضية الفلسطينية أم الأمر أبعد من ذلك؟ إنها نار تحت رماد يُراد لها حرق ما تحقق من إنجازات وطنية عبر التحريش بين الأقارب والأرحام واستبدال الوئام بحرب كلامية تتلوها قرارات مصيرية تفتت اللحمة الوطنية والتقارب بين شعوب المنطقة وقادتها. إنها دعوة من نبي هذه الأمة لنبذ العصبية، فهي من الجاهية، فهل تدرك تلك الجماعات خطورة القضية؟