من أغنية «جانجنام ستايل»، التي شوهدت أكثر من ملياري مرة على موقع يوتيوب، إلى ألعاب الفيديو وعبوات المعكرونة المنكَّهة.. باتت صادرات كوريا الجنوبية الثقافية تشهد إقبالا متزايداً من جانب المستهلكين عبر العالم، من آسيا إلى أميركا اللاتينية مروراً بالشرق الأوسط. وعلى سبيل المثال، فقد صار الفلبينيون مدمنين على مسلسلاتها الدرامية؛ والفرنسيون يعشقون موسيقاها الشعبية وأفلامها. وبفضل هذا الصيت العالمي المتزايد جنت كوريا الجنوبية 5 مليارات دولار من صادراتها الثقافية، وتطمح إلى مضاعفة هذا الرقم بحلول عام 2017. لكن حال كوريا الجنوبية لم يكن بهذه الصورة الوردية دائماً. فالكثير تغير منذ 1985، عندما وصلت يوني هونج، الكاتبة والصحفية الأميركية الكورية ومؤلفة كتاب «ولادة المنتوج الظريف في كوريا» الذي نعرضه هنا، إلى سيئول. فوقتئذ، لم تكن كوريا الجنوبية جذابة وظريفة بالقطع، حيث كان موسيقيوها يعانون من الرقابة الجاثمة على أنفاسهم، وكان العزف والغناء في الشارع محظورين لأنهما كانا يعتبران شكلا من أشكال الاحتجاج. غير أنه خلال السنوات الست التالية، كانت هونج شاهدة على أسرع نمو اقتصادي. وهنا تتذكر المؤلفة ظواهر ميزت تلك الفترة، من قبيل ارتداء بعض النساء حديثات العهد بالغنى معاطف غالية من فراء الحيوانات في أسواق السمك؛ وانقطاعات متكررة للكهرباء في شقة عائلتها التي كانت في حي راقٍ. وشيئاً فشيئاً تمكنت كوريا الجنوبية من التقدم حتى تجاوزت اليابان كمصدِّرة للمنتوج الثقافي في منطقتها. ولإماطة النقاب عن الأسباب والعوامل التي ساعدت على ذلك، استجوبت هونج نجوماً وطباخين ونقاداً ثقافيين، فوجدت أن منتوج كوريا الجنوبية الظريف من النتائج الجانبية لآلة التصدير الثقافي التي أُنشئت في نهاية القرن العشرين وتعهدتها الحكومة بالدعم والرعاية منذ ذلك الوقت. الأزمة المالية الآسيوية لعام 1997 كشفت عن ضعف وهشاشة في اعتماد كوريا الجنوبية على تكتلات الشركات الكبرى، فكان رد فعل الرئيس كيم داي جونج أن دفع في اتجاه تطوير صناعتي تكنولوجيا المعلومات والمحتوى (الأفلام والموسيقى الشعبية وألعاب الفيديو). ونتيجة لذلك، أغلقت شركات وأعادت أخرى تنظيم نفسها؛ وهكذا، انتقلت شركة سامسونج إلى التلفزيون الرقمي والهواتف النقالة. وحسب هونج، فلولا الأزمة لما كانت ثمة «هاليو»، وهي الموجة الثقافية الكورية التي اجتاحت آسيا خلال العقد المنصرم. وإلى ذلك، ساهم التحفيز الجبائي والتمويل الحكومي للشركات الناشئة في تشجيع صناعة ألعاب الفيديو، التي باتت اليوم تمثل ضعف العائد الوطني للموسيقى الشعبية الكورية 12 مرة. لكن الموسيقي أيضاً استفادت من مساعدة الدولة؛ حيث أنشأت الحكومة في 2005 صندوقاً استثمارياً بقيمة مليار دولار لدعم صناعة الموسيقى الشعبية. فكوريا لا تتوانى عن الاستثمار في هذه «القوة الناعمة» وتسخِّر لها كل الإمكانيات. وفي هذا الإطار تجند شركات الإنتاج شباباً يخضعون لسنوات من التدريب المكثف والمرهق قبل تقديمهم للجمهور. صحيح أن الإبداع قد يتأثر سلباً بظروف العمل هذه وما يصاحبها من خوف من الفشل؛ لكن نقطة الضعف هذه حُوِّلت إلى نقطة قوة؛ فالنزعة المحافظة باتت اليوم استراتيجية مقصودة ومتبعة عن وعي؛ وبفضل ذلك، اكتسبت الموسيقى الشعبية الكورية جاذبية عالمية أكبر مقارنة بالموسيقى الشعبية اليابانية، التي قد يعتبرها البعض أقل ميلا إلى المحافظة. ومن جانبها، تركز الأعمال الدرامية في كوريا على قصص الحب ودور العائلة. كما يقوم الممثلون والمغنون بالترويج للأذواق الكورية في مجالات مختلفة. وبدورها، تستعين شركات التجميل بخدمات نجوم مشهورين من أجل الترويج لمنتجاتها. وتصف هونج مقاربة كوريا تجاه الثقافة بـ«الهجوم الشامل» حيث تحدثت مع بعض الأشخاص الذين عملوا في الكواليس، مثل أحد المسؤولين كان وراء تنظيم «فلاش موب» (وهو تجمع فجائي يتم الترتيب له سلفاً عبر البريد الإلكتروني) في فرنسا للمطالبة بتنظيم حفل للموسيقى الشعبية الكورية؛ ومسؤول آخر حمل معه مسلسل «ما هو الحب»، الذي قد يكون أول عمل درامي كوري حديث، إلى هونج خلسة داخل حقيبة دبلوماسية. وعلى ما يبدو، فإن هذا «الهجوم» ناجح وفعال لأن الثقافة الشعبية التي يروج لها مقبولة ومستساغة بالنسبة لبقية الآسيويين مقارنة بثقافة محتلين سابقين مثل اليابانيين والصينيين. ونتيجة لذلك، باتت الأعمال الدرامية الكورية تحظى بشعبية واسعة في الفلبين لدرجة أنها مثلت مصدر إلهام شجع على إنتاج أعمال محلية مماثلة؛ كما لقي مسلسل «قصة حب شتوية» نجاحاً منقطع النظير في كل من العراق وأوزبكستان. محمد وقيف الكتاب: نشأة المنتوج «الظريف» في كوريا: كيف صارت دولة تغزو العالم من خلال الثقافة الشعبية المؤلف: يوني هونج الناشر: بيكادور تاريخ النشر: 2014