تتعاظم الاضطرابات في العالم الإسلامي بدرجات تدعو للقلق، خصوصاً مع تعاظم المنازعات بين التيارات الدينية «الإسلامية» إلى درجة النقد العنيف فيما بينها على نحو فاحش، نقداً يقود إلى القتال المسلح والصراع الديني. وبمزيد من التدقيق في هذه القضية، يصح القول إن معيارين اثنين ظهرا بمثابتهما ناظمين لما يأتي هنا في هذا السياق. أول هذين الناظمين هو القرآن الكريم (النص المقدس) وما يحيط به من قواعد وأحكام، أما الثاني فهو السنة النبوية وما يتصل بها من قول وعمل. وهنا نطرح هذين المعيارين بوصفهما ضبطاً لعملية التعقيل، أو بعبارة مختزلة يصبح القول وارداً بأن النص إياه يمر مساره عبر المرور بالمعارف والمصالح، أو لنقل بالمصالح والمعارف. والآن نرى إن ذينك الاعتبارين يمر بهما النص لإخضاعه للاستنباط العقلي، وذلك بشيء من الحركية والنصية في آن واحد. وبذلك نحافظ على حيوية النص وأصليته النصية ليجد نفسه متحركاً نحو ضبط نفسه معرفياً ومصلحياً. لذلك يمكن أن نقول الكثير عن ظهور مرحلة تنوير في التاريخ الإسلامي العربي تركت أصداء عميقة باعتبار دلالة النصين وما لهما من حضور كثيف ولافت. إن الرؤية التاريخية التنويرية نجدها عند الخليفة عمر بن الخطاب، جنباً إلى جنب مع التأكيد على العدالة والتربية والتقدم، ومع الكرامة والمساواة. مواقف تؤكد مسائل وإلزامات، دون أن تتحول إلى رؤية أيديولوجية مغلقة، وإن اتصفت بتماسك ذي بعد استراتيجي. وقد جاءت في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، لإحدى الفتيات السوريات، إشارات لافتة في أهميتها التاريخية وفي دلالاتها الفكرية، عندما قارنت ما أنجزه الخليفة عمر بن الخطاب على صعيد التنظير وضبط المواقف المستجدة، مع ما يشهده عصرنا من أولئك الذين يزعمون أنهم يدافعون عن الإسلام، وهم يسيئون إليه إساءة علمية ومعرفية وتاريخية فادحة. ففيما يخص رجم النساء الزانيات، سلك الخليفة عمر سلوكاً حضارياً عندما تبين له بعد وقت قصير أن أحد الشهود في المسألة يكذب، فأطلق سراح المرأة، وجلد الشاهد الكاذب. أما «أبوبكر البغدادي» فلديه في كل أسبوع عملية رجم أو جلد. هذا بينما تتعلق الملاحظة الثانية بمسألة قطع يد السارق. فكلنا نعلم القصة المشهورة، عندما سأل الخليفة عمر بن الخطاب واليه على مصر (عمرو بن العاص): إذا جاءك سارق ماذا تفعل به؟ قال عمرو بن العاص: أقطع يده. فقال عمر: وأنا إن جاءني جائع من مصر قطعت يدك! فهل يا ترى لم يبق جائع واحد في أرض الخلافة البغدادية، حتى يقيم البغدادي حد السرقة كل يوم! وفي مناسبة أخرى أعلن الخليفة عمر بن الخطاب، عندما اعترضت عليه امرأة أمام الناس، أصابت امرأة وأخطأ عمر! تلك مواقف عاشها الخليفة مع الناس مستمعاً لهم ومحاوراً، حيث تصدى فيها لقضايا ذات أهمية خاصة، وأظهر فيها الحكمة والعقل والتواضع، ودونما تعصب أو حط من قيمة الناس. إن هذه الملاحظات الدقيقة والثمنية، معرفياً وعلمياً، يمكن أن تؤسس لرؤية تنويرية منفتحة تدين الظلامية وتشدد على حرية الرأي واحترام الآخر. وهذا ما يؤسس مستقبلاً لمثل تلك الدراسات التاريخية في الإسلام وغيره. وفي كل الأحوال فالمسائل التي أتينا عليها من تلك الزاوية الخطابية هي باتجاه بحث ما لم يبحث وتدقيق ما لم يدقق فيه.