بوسع أي مراقب ذكي لحوالي سبعة عقود من التحالف الإسرائيلي مع الولايات المتحدة وأوروبا الغربية أن يفهم أن هذه العلاقة باتت موشكة على النهاية. ففي عام 1948 والسنوات التي تلته كان ذلك التحالف إنقاذاً لإسرائيل والتزاماً من أوروبا الغربية تجاهها. وهذا بسبب ما حدث ليهود أوروبا من أهوال أثناء الحرب العالمية الثانية. وكانت محاولات الدول العربية منع إقامة وطن قومي لليهود على حساب الفلسطينيين مفهومة أيضاً على نطاق واسع، وحصلت على تعاطف دولي أيضاً، ولكن الثقل السياسي للدول العربية في عام 1948 كان ضعيفاً في مقابل قوة تأثير الدول الأوروبية الغربية والولايات المتحدة، وخاصة أن الحرب الباردة كانت يومذاك في بدايتها. وكان دعم لوبيات الجماعات القومية اليهودية يمثل قوة انتخابية مؤثرة بالنسبة للسياسيين الأميركيين والأوروبيين. وكان السباق بين الحكومتين الأميركية والسوفييتية على الاعتراف أولاً بالدولة اليهودية الجديدة قد فاز به الرئيس الأميركي هاري ترومان. ولكن موسكو كانت أيضاً هي أول من منح اعترافاً دبلوماسياً رسمياً لإسرائيل التي رأت فيها حليفاً محتملاً في الشرق الأوسط. وكان التعاطف مع إسرائيل على أوسع ما يكون وسط الليبراليين في الولايات المتحدة، واليسار الأوروبي خاصة، وطبعاً فالحال ليس كذلك اليوم. ولكن الاتهام بالمعاداة للسامية ما زال أيضاً ذا تأثير، لأن أميركا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية لم تفعل شيئاً يذكر لمساعدة يهود أوروبا المضطهدين. صحيح أن الدعم المؤثر لإسرائيل وخاصة الدعم المالي من قبل الجالية الأميركية اليهودية ما زال مهماً، ولكن هذه عوامل أخذت تتقلص في السياسة الأميركية. وهناك عداء لإسرائيل ورفض لممارساتها، وهو أكثر انتشاراً وسط اليهود الأصغر سناً وصفوة الجالية اليهودية أيضاً. وفي المقابل يتزايد التعاطف مع القضية الفلسطينية، ويمكن التنبيه هنا إلى حركة رفض دولية عامة للاستيلاء اليهودي على الأراضي الفلسطينية. وهناك عداء لإسرائيل الآن بسبب أساليبها في قمع المقاومة الفلسطينية في غزة، وأيضاً بسبب مصادرتها الأراضي والممتلكات الفلسطينية. وعلى المستوى الدولي، يتسبب الدعم اللامحدود تقريباً الذي تحظى به إسرائيل وسياساتها الداخلية والخارجية من الولايات المتحدة في تشويه سمعة أميركا في أوروبا الغربية بشكل متزايد، وفي كل مكان آخر في العالم بشكل عام، وفي العالم النامي على وجه الخصوص. وفي هذا التحالف يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها دولة قمعية و«استعمارية». والصفة الأخيرة دعمتها السياسات الأميركية في كل مكان تقريباً من العالم غير الغربي منذ الحرب في فيتنام، ثم التدخل بقوة في الشرق الأوسط، والغزو الكارثي للعراق بعواقبه المدمرة. هذا طبعاً دون إغفال الأعمال الاستخبارية السرية على المستوى القومي، وعلى المستوى الدولي، التي أكسبت الولايات المتحدة سمعة الدولة شبه الشمولية. وتحالف الولايات المتحدة مع إسرائيل أصبح يُنظر إليه على المستوى الدولي باعتباره تحالفاً للخارجين على القانون، وهذا صحيح حرفياً بسبب عدم الاكتراث بأعراف ومواثيق العدالة الدولية. وتتغاضى الولايات المتحدة عن الضم الإسرائيلي غير القانوني المستمر للأراضي التي خصصها قرار الأمم المتحدة عام 1948 للشعب الفلسطيني. وقد تزايد طغيان إسرائيل، وتفاقمت انتهاكاتها الفجة للقانون الدولي. والحرب الدائرة الآن بين غزة التي تسيطر عليها حركة «حماس» وإسرائيل ألحقت الخزي على المستوى الدولي بصورة إسرائيل، وأضرت بسمعة حليفتها الولايات المتحدة. وقد وجّه هذا ضربة أخرى إلى ضمائر الإسرائيليين وأصدقاء إسرائيل الذين يدركون أن تحويل الناجين من الهولوكوست إلى مضطهدين للفلسطينيين يمثل، بمعنى ما، انتصاراً للنازية بعد دفنها. وفي هذه العملية تحول الأميركيون أيضاً، من وجهة نظر المنتقدين، إلى متواطئين. لقد آن أوان إنهاء التحالف الأميركي الإسرائيلي. فهذا التحالف بات يلحق أضراراً بكلا البلدين، ويمكن أن تكون له تداعيات عكسية عندما يتحول الحليفان في نهاية المطاف إلى عدوين، وستأتي حتماً هذه النهاية. وهذا قد يولّد حينها في الولايات المتحدة غضباً عارماً ضد المسؤولين عن الإضرار بصورتها ومصالحها. وقد كتب الدبلوماسي الإسرائيلي السابق آلون بينكاس في الآونة الأخيرة عن هذا التحالف، قائلاً إن «هناك بعض الارتباك في إسرائيل المحملة بشعور مبالغ فيه بأهميتها الذاتية»، بينما الثقل الاستراتيجي في هذه المعادلة في صالح الولايات المتحدة أولاً وأخيراً، وليس العكس. ومضى الدبلوماسي الإسرائيلي يقول إنه منذ سقوط الاتحاد السوفييتي لم يعد هناك صراع للقوى العظمى في الشرق الأوسط، وإن «الولايات المتحدة تعمل حالياً على إعادة تحديد مصالحها الإقليمية واتخاذ اتجاه واضح، وإن يكن ببطء في اتجاه نفض يدها من المنطقة. والأسباب تتعلق بالاكتفاء الذاتي من الطاقة، وخيبة الأمل في العالم العربي، والرأي العام الداخلي المعادي للتدخل الأميركي الزائد في العالم، والالتفات والتحول في مجال الطاقة إلى مناطق أخرى من العالم. وكل هذا قاد الولايات المتحدة لإعادة تقييم دورها ومصالحها في الشرق الأوسط». لقد جاء الوقت الذي تستطيع فيه الولايات المتحدة سواء في الإدارة الحالية، أو التي تليها، أن تقول لإسرائيل إن الوقت قد حان منذ فترة طويلة كي تتوصل مع الفلسطينيين إلى تسوية لإقامة الدولتين، وفق بنود خضعت لمفاوضات طويلة ومعروفة جيداً من الجانبين والمجتمع الدولي. ويجب على واشنطن أن تقول لزعماء إسرائيل إن أمام بلادهم مهلة محدودة كي تنجز هذه التسوية. وإذا لم تنجزها في هذه المهلة فإن الولايات المتحدة ستنهي تحالفها العسكري والسياسي مع إسرائيل. وستنهي مساعداتها المالية والتعاون مع أجهزتها الأمنية. ولن تدعم بعد ذلك إسرائيل في الأمم المتحدة إلا في المناسبات التي تستحق فيها ذلك بجدارة. ولن تسمح لوكالات ولوبيات التأثير والعمل السياسي الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية داخل الولايات المتحدة بأن تعمل إلا إذا سُجلت بشكل ملائم كوكالات لحكومات أجنبية، وأن يكون عملها شفافاً تماماً. وكل هذا من شأنه أن يهدم أوهاماً مثل تلك التي يتبناها نتنياهو الذي هدد في عدة مناسبات في الآونة الأخيرة البيت الأبيض بأنه يستطيع أن يجعل الكونجرس يتخطى الرئاسة، لأنه يسيطر على الكونجرس، مما يطرح من جديد مسألة وطنية المشرعين الأميركيين أنفسهم. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سرفيس»