فشلت محاولات التشهير الإعلامي بدولة الإمارات العربية المتحدة من خلال السعي للزج باسمها في الاعتداء الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، بما تنطوي عليه هذه المحاولات من تجاوزات للتاريخ، القريب منه والبعيد، والذي يوثق وقائع لا يمكن المزايدة عليها أو الانتقاص منها، وتشهد جميعها بأصالة موقف دولة الإمارات العربية المتحدة، قيادة وشعباً، ودعمها اللامحدود والمتواصل للشعب الفلسطيني. ويبدو أن هذا الفشل لم يقنع الإعلام «الإخواني» الممول من دول وجهات بعينها، والذي تشرف عليه عناصر معروفة بانتمائها التنظيمي أو الأيديولوجي لجماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية. فعاد هذا الإعلام ليروج لفرية جديدة عبر الزج باسم دولة الإمارات العربية المتحدة في الشأن الداخلي الليبي، والادعاء الزائف بأنها تضطلع بدور ما في هذا الصراع العسكري. لقد تناولتُ في مقال سابق لي حروب الجيل الرابع، وما تتسم به من خصائص، يؤدي فيها الإعلام وأدواته ووسائله كافة دوراً حيوياً، بل أكاد أظن أن الإعلام هو رأس الحربة في هذا الجيل من الحروب، فالأهداف المتوخاة في أغلبها تتحقق عبر أدوات إعلامية ودعائية، حيث التأثير النفسي في تشكيل القناعات وغسل الأدمغة وتفكيك الأفكار والتفتيت الذهني لها بما يضمن إعادة تركيبها على أسس نمطية مغايرة، وذلك بناء على دراسات نفسية متطورة. ولا شك أن حرب الشائعات التي تحاك ضد دولة الإمارات هي أحد تطبيقات حروب الجيل الرابع، ولكن اللعبة أصبحت مكشوفة للجميع ولم تعد تمتلك البريق الإعلامي الزائف الذي اتسمت به في سنوات سابقة، بدليل التدهور بل الانهيار الهائل في شعبية القنوات والصحف الممثلة لهذا التوجه. وحرب الشائعات وتزييف الحقائق هذه التي يستخدمها الإعلام الموجه ضد دولة الإمارات العربية المتحدة قد تكون محدودة التأثير من الناحية الواقعية، ولكنها تستوقف المراقب والمتابع كونها تعني أن الإمارات في بؤرة الاستهداف سعياً وراء أهداف عدة، منها على سبيل المثال، الإساءة -بأي شكل أو وسيلة أو مستوى- إلى النموذج التنموي المتطور الذي بات يمثل علامة فارقة في منطقة يسكن كثيراً من أرجائها الفكر الظلامي والفشل التنموي والتخطيطي، فضلاً عن أن هذا النموذج التنموي الإماراتي بحد ذاته بات كاشفاً لأكذوبة كبيرة تروج لها تنظيمات الإسلام السياسي، وهي أن الإصلاح يبدأ بتطبيق أفكارها البائسة المعادية للحضارة والإنسانية، ناهيك عن عدائها للإسلام ذاته، وما يتسم به من قدر هائل من التسامح والوسطية. وثمة سبب آخر جدير بالانتباه لاستهداف الإمارات إعلامياً من جانب الإعلام «الإخواني»، وهو أن الإمارات قد لعبت دوراً إيجابياً في فضح مخططات هذا التنظيم والتصدي لمحاولاته اختطاف الوعي الجمعي العربي في لحظة سيولة تاريخية كانت تستوجب الجهر بالحق ووضوح المواقف وتغليب مصالح الدول والشعوب. وقد أدركت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ ظهور جماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية بقوة على سطح الأحداث السياسية في عام 2011 ومحاولتها توجيه حركة التغيير واختطافها لمصلحتها والانقلاب على إرادة الشعوب، بما في ذلك إرادة شركائها الأيديولوجيين في العمل السياسي، أدركت الدولة مبكراً أن هذه الجماعة قد انخرطت في تطبيق خطة متشعبة يطلق عليها علمياً مفهوم التسميم السياسي، وهذه العملية هي بالتأكيد إحدى آليات حروب الجيل الرابع، حيث السعي إلى غرس أفكار وقيم معينة والترويج لها إعلامياً ودعائياً، ثم الانتقال إلى مرحلة تضخيم هذه القيم والأفكار لتصبح قيماً مثلى في المجتمعات، كما قال العالم السياسي الراحل حامد ربيع. أدركُ يقيناً أن محاولات تنظيمات الإسلام السياسي إعادة تشكيل الوعي الجمعي للشعوب في السنوات القلائل الأخيرة قد أثارت كثيراً من اللغط والفتن، وفتحت المجال واسعاً للتشكيك في كل شيء، وهنا مكمن الخطر، حيث يمكن أن تتسلل الأفكار الدخيلة ويصبح الباب مفتوحاً لإحداث تغيير قيمي بالتحلل من قيم وغرس أخرى بدلاً منها، واستغلال تطلعات الأجيال الجديدة للنقاش والمعرفة في بث أفكار تنال من ثوابت المجتمعات وركائز تماسكها واستقرارها. لا أستطيع التهوين من خطر حملة الكذب والافتراءات التي يبثها الإعلام الممول ضد دولة الإمارات ودورها العروبي والإسلامي الشامخ، لاسيما وأنا أدرك تماماً أن الهدف ليس التقليل من هذا الدور وقيمته أو حتى استبدال دور بدور، ورفع شأن الدور الذي تؤديه دولة ما خصماً من رصيد دولة الإمارات أو غير ذلك، بل إننا بصدد ما هو أخطر على المدى البعيد، وهو النخر في جدار الدول الوطنية ذاتها، والدفع باتجاه تآكل هذا المفهوم السيادي لمصلحة التنظيمات والميليشيات عابرة الجغرافيا والحدود. قد لا يكون إقحام الإمارات في الشأن الليبي نهاية المطاف في خطط ومحاولات الإعلام «الإخواني»، ولاسيما في ظل ما ذكره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال اجتماعه مؤخراً برؤساء تحرير الصحف المصرية، وحديثه عن التمويل الهائل للإعلام «الإخواني» والخطط الإعلامية الجديدة لضرب الأمن والاستقرار الاجتماعي في مصر وغيرها. ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن من تحولات سياسية وأمنية فارقة يستوجب أخذ الحيطة والحذر من مخططي السياسات والمحللين والإعلاميين وغيرهم من شرائح المجتمعات العربية وفئاتها كافة، فهناك ما يشبه الزلزال الاستراتيجي على وشك الوقوع، سواء من خلال تهيئة الساحة لتفكيك دول عريقة، أو الدفع بتنظيمات ورقية مصطنعة إلى واجهة الأحداث وخلق «فزاعات» جديدة بعد القضاء نسبياً على «فزاعة» الإخوان المسلمين. وفي ظل هذه الأجواء المضطربة برهنت جماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية على غياب مفهوم الوطن والدولة لديها، حيث تستغرق تماماً في الدفع باتجاه إغراق الدول في دوامة العنف والفوضى والاضطرابات، هكذا تفعل في مصر وليبيا وغيرهما. إن الإمارات ستمضي على نهجها الوسطي ودفاعها عن أمتها وإسلامها وعروبتها ووطنيتها، ولن تفلح الادعاءات وحملات التشهير الإعلامية في وقف حركة التاريخ ووأد طموح يأبى إلا أن تتبوأ الإمارات مكانتها اللائقة وتواصل دورها الحضاري.