تتنوع وتتعدد مجالات ونشاطات عصابات الجريمة المنظمة، على المستويات المحلية، والإقليمية، والدولية، مثل تهريب المخدرات، وتجارة الأسلحة، وغسيل الأموال، والاتجار في البشر، وتزوير النقود، والجرائم الإلكترونية، وسرقة الهوية، والسطو على البنوك، والتجارة في أنواع النباتات والحيوانات المهددة بالإنقراض، والقرصنة البحرية، والابتزاز وفرض الإتاوات، وغيرها من الأنشطة الإجرامية. وحديثاً ارتأت هذه العصابات الدولية أن ترتاد مجالاً خصباً هو مجال الجرائم الغذائية، لأنه يحقق أرباحاً طائلة، ويمنحها فرصة تنويع مصادر الدخل غير الشرعي، في الوقت الذي تعتبر العقوبات المتعلقة به هزيلة، في حالة الإمساك بأفرادها والقبض عليهم، مقارنة مثلاً بالعقوبات المفروضة على تهريب المخدرات، أو الاتجار بالبشر. ويندرج هذا النوع من الجرائم تحت مظلة جرائم تزوير وتقليد المنتجات الاستهلاكية، ويتجسد غالباً في إضافة مكونات رخيصة الثمن لأغذية يفترض فيها أن تكون عالية القيمة، أو تغيير تاريخ الصلاحية، أو تزوير قائمة المحتويات، أو بلد المنشأ. وعلى رغم أن هذا النوع من السلوك الإجرامي موجود منذ عقود، حتى في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، إلا أنه بات محل اهتمام خاص خلال السنوات الماضية، في ظل تزايد المخاوف من الإرهاب البيولوجي، الذي قد يأخذ شكل أغذية ملوثة. والسبب الآخر في تعاظم الاهتمام بجرائم تزوير الأغذية، هو وقوع حالات خطيرة في الأعوام الماضية، أدت إلى عدة وفيات، وخصوصاً بين الأطفال. وأشهر تلك الحالات، ربما كانت هي واقعة إضافة مادة «الميلامين» الكيماوية إلى حليب الأطفال في الصين عام 2008، لإظهار احتوائه على كمية أكبر من البروتين -زوراً طبعاً- بعد أن تم تخفيفه لزيادة كميته وثمنه. ونتجت عن هذه الواقعة إصابة 300 ألف طفل بمضاعفات صحية، منهم 54 ألف طفل رضيع تم حجزهم بالمستشفيات بسبب خطورة حالتهم الصحية، توفي منهم 6 أطفال، نتيجة تكون حصوات وفشل تام بالكليتين. وقبل هذه الواقعة ببضع سنوات، توفي 13 طفلاً رضيعاً، في الصين أيضاً، نتيجة سوء التغذية، بسبب اعتماد ذويهم على حليب تم تخفيفه بالماء بدرجة كبيرة. وقبل وقت قريب، وبالتحديد خلال الصيف الماضي، هزت فضيحة غذائية العديد من سلاسل وجبات المطاعم السريعة الأكثر شهرة وانتشاراً، في العديد من دول العالم بما في ذلك اليابان، عندما تكشف أن أحد مصانع معالجة وتصنيع اللحوم في الصين، والتابع لشركة أميركية عملاقة في مجال تصنيع اللحوم، كان يورد لتلك المطاعم منتجات مضافاً إليها لحوم انتهت فترة صلاحيتها، أو فاسدة بشكل تام. وبدون الدخول في تفاصيل، كشف تحقيق أجرته محطة تلفزيونية محلية عن ممارسات في المصنع المذكور، توصف في أقل الحدود بأنها مقززة ومقرفة، وفي أقصاها بأنها خطرة على الصحة، وتشكل تهديداً مباشراً لحياة المستهلكين. ولن يتسع المجال هنا لذكر جميع الفضائح الغذائية، وحالات التزوير والغش، المتعلقة بالأطعمة، والتي يمكن أن يتسع لها صدر كتاب كامل، ولكن الغريب أن حالات الغش والتزوير هذه، ليست مقصورة على الصين فقط، بل كثيراً ما تقع في الدول الأوروبية، والولايات المتحدة أيضاً. ففي بداية العام الماضي اكتشفت السلطات الصحية في بريطانيا أن اللحوم المستخدمة في العديد من المنتجات الغذائية، وخصوصاً الوجبات الجاهزة وسابقة الطهي، وباقي ما يعرف باللحوم المصنعة، تحتوي على نسب متفاوتة من لحوم الخيول. وعلى رغم أن هذه الفضيحة التي أصبح يطلق عليها اسم «هورسميت- جيت» (Horsemeat Gate)، على غرار الفضيحة السياسية الأميركية في بداية السبعينيات والمعروفة بـ«واتر جيت»، قد تسببت في حالة من الذعر الصحي بين كثيرين، إلا أن الحقيقة هي أن المشكلة هنا تبقى مجرد عملية نصب وتزوير، دون أن تكون لها أية عواقب صحية تذكر. والنصب والتزوير هنا يتمثلان ببساطة في أن المستهلك اشترى، وتناول، واستهلك، طعاماً من نوع، غير النوع الذي كان يرغب فيه، أو الذي دفع ثمنه. ومرة أخرى، لن يتسع المقام هنا أيضاً لذكر جميع حالات الغش والتزوير الغذائي التي قد يتعرض لها المستهلكون في الدول الأوروبية، والأميركية، وبقية الدول الغربية، وإن كانت خطورتها غالباً ما تكون أقل حدة من تلك الناتجة عن دول شرق آسيا. ومن الواضح أن مشكلة الغش الغذائي تتفاقم وتتزايد بشكل مضطرد، في ظل حقيقة عولمة مصادر الغذاء، حيث أصبح من الشائع أن تحتوي مائدة الطعام للعديد من الأسر على أطعمة، زُرعَت، أو أنتجت، أو صُنّعَت، ثم استوردت من أركان الأرض الأربعة. حيث أصبح نظام التموين التاريخي، المعتمد بشكل أساسي على القرى والمزارع المجاورة للمدن، في الحصول على احتياجات السكان من الغذاء، شيئاً من الماضي. وتأخذ المشكلة بعداً آخر أيضاً، عندما يتعلق الموضوع بالأغذية المصنعة والمعلبة، حيث غالباً ما تؤدي هذه العملية إلى تغيير لون، ورائحة، وطعم، ونكهة الغذاء، من خلال خلط عدة مصادر غذائية، أو أنواع مختلفة من الغذاء مع بعضها بعضاً، أو بشكل أكثر شيوعاً بسبب المضافات الاصطناعية والكيماوية، بحيث أصبح من الصعب التعرف على نوع الغذاء، أو مصدره، أو حتى ما إذا كانت المكونات المستخدمة فيه أساساً سليمه، أم فاسدة.