رغم أن الغالبية العظمى منا تعلم أن عدم العناية بنظافة الأسنان يؤدي إلى تسوسها، إلا أن القليلين هم الذين يدركون أن صحة الفم والأسنان -أو بالأحرى مرضهما- يؤدي إلى الإصابة بمجموعة من الأمراض والعلل التي تؤثر على عامة الجسد، حيث ترجح عدد من الدراسات السريرية الحديثة أن أمراض والتهابات الفم، ربما تكون عامل خطر لعدد من الأمراض العامة، أي التي تؤثر على عموم الجسد، مثل أمراض القلب والشرايين، متمثلة في السكتة القلبية والذبحة الصدرية، والالتهابات الرئوية الحادة الناتجة عن العدوى بالبكتيريا، وزيادة وقع وأثر المضاعفات الصحية بين مرضى السكري، والإصابة بهشاشة العظام، ونقص وزن الجنين عند الولادة، أو زيادته عن الحدود الطبيعية بشكل كبير. وما لا يدركه الكثيرون أيضاً، أن تسوس الأسنان مرض معد، ينتقل من شخص إلى آخر، وخصوصاً في سنوات الطفولة الأولى، ويصيب عدداً كبيراً من البشر، حيث تشير الإحصائيات والتقديرات إلى أن تسوس الأسنان، يعتبر من أكثر الأمراض انتشاراً، كونه يصيب 2.43 مليار شخص، أو ما يعادل 36 بالمئة من البالغين من أفراد الجنس البشري. وفي مرحلة الطفولة، أو مرحلة الأسنان اللبنية، يقدر أن تسوس الأسنان يصيب 620 مليوناً، أو ما يعادل 9 بالمئة من الأطفال. ففي الولايات المتحدة مثلاً، يعتبر تسوس الأسنان أكثر الأمراض المزمنة انتشاراً بين الأطفال، حيث تبلغ معدلات انتشاره، خمسة أضعاف معدلات انتشار الأزمة الشُعبية أو الربو. كما تتفاوت نسب الإصابة بتسوس الأسنان بشكل كبير بين المجتمعات والشعوب، حيث تبلغ مستويات منخفضة في أستراليا، والسويد، ونيبال، وبالمقارنة تبلغ تلك النسب مستويات مرتفعة بين شعوب ودول الشرق الأوسط، بالإضافة إلى دول أميركا اللاتينية، ودول جنوب آسيا، كما تتفاوت هذه النسبة أيضاً بشكل كبير داخل الدولة والمجتمع الواحد، بناء على المستوى الاجتماعي، والاقتصادي، ومستوى التعليم، والحياة في المدن مقارنة بالقرى والأرياف. حيث يقع مثلاً من 60 إلى 80 بالمئة من حالات تسوس الأسنان، بين 20 بالمئة فقط من أطفال الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وهو ما يعني أن بعض الطبقات الاجتماعية -ولأسباب متعددة- تتحمل الجزء الأكبر من العبء المرضي لتسوس الأسنان، بمقدار أضعاف مضاعفة. وببساطة، يحدث تسوس الأسنان، أو تعفنها إذا ما ترجمنا حرفياً الأصل اللاتيني للكلمة في اللغة الإنجليزية، نتيجة بقايا الطعام التي تظل على سطح الأسنان، وبين ثناياها، هذه البقايا تعتبر غذاء وفيراً للبكتيريا التي تقطن الفم، والتي بعد أن تنهل منها، وتهضمها، في شكل من أشكال التخمر المعروفة، تنتج حامض ضمن بقايا عملية التخمر تلك، هذا الحامض، يتسبب في تآكل طبقة الأنسجة الخارجية الصلبة للأسنان، ويمكن البكتيريا من الوصول إلى الأنسجة الرخوة الداخلية. ويعتقد أن هذه العملية المرضية، تبدأ في شهور وسنوات الطفولة الأولى، مع انتقال البكتيريا من الشخص الذي يرعى الطفل، إلى فم الطفل، في شكل من أشكال العدوى التقليدية. وإن كان وجود البكتيريا في حد ذاته لا يسبب تسوس الأسنان، حيث لا بد من وجود بقايا الطعام، كي يحدث التخمر، وينتج الحامض المذيب للأسنان، وهو الجزء الذي تلعب فيه العادات الغذائية السيئة دوراً مهماً، بداية من سنوات الطفولة الأولى، حيث يؤدي الاستهلاك المتكرر للسوائل، مثل العصائر، والحليب الطبيعي، وحليب الأطفال، والمشروبات الغازية، والمحتوية جميعها على كربوهيدرات سريعة التخمر، إلى منح البكتيريا الفرصة والوقود اللازم لإنتاج الحامض ضمن مخلفاتها. وبخلاف محتويات السوائل التي تسقى للطفل، يلعب الزمن، وعدد مرات الإطعام دورا مهماً هو الآخر، حيث تزداد احتمالات التسوس مع زيادة عدد المرات التي يمنح فيها الطفل السوائل المحتوية على كربوهيدرات، كما تزداد هذه الاحتمالات إذا ما سمح للطفل بالنوم -خلال النهار أو الليل- وزجاجة الرضاعة في فمه. ولذا ينصح بتقليل عدد المرات التي يسقى فيها الطفل تلك السوائل، وعدم السماح له بالنوم وزجاجة الرضاعة في فمه. ففي كل مرة تدخل فيها هذه السوائل فم الطفل، تتعرض أسنانه لهجوم الحامض المذيب لفترة عشرين دقيقة على الأقل، وكلما زادت عدد المرات خلال اليوم، طال الوقت الذي تتعرض فيه أسنانه للهجوم. وفي مراحل الطفولة اللاحقة، يؤدي استهلاك الطفل للحلويات، وبقية الأطعمة المحتوية على السكريات، لضرر بالغ على أسنانه، بالإضافة إلى المشروبات الغازية، والتي بخلاف احتوائها على كميات هائلة من السكريات، تتسبب درجة حموضتها نفسها، في إذابة الجزء الخارجي الصلب من الأسنان، في الأطفال والبالغين على حد سواء. ومن الخطأ الاعتقاد بأن الأسنان اللبنية غير مهمة، وأن الطفل سيفقدهم حتماً، ولذا ليس من المهم الحفاظ عليهم ووقايتهم من التسوس، حيث تشكل هذه الأسنان أهمية خاصة في نمو فك وعظام الوجه، وفي نمو ونشوء الأسنان الدائمة بشكل سليم. وفي النهاية ،لا يمكن تجاهل أهمية العادات الصحية المتمثلة في تنظيف الأسنان بشكل يومي، حيث يوصى ببدء غسل الأسنان بالفرشاة، مع بداية ظهور الأسنان اللبنية، والاستمرار في ذلك خلال سنوات الطفولة المبكرة، وبقية سنوات العمر، مع مراقبة عدد مرات، وكيفية غسيل الطفل لأسنانه، حتى سن الثامنة على الأقل.