بعد شهور من عدم اليقين السياسي أصبح لأفغانستان رئيس جديد. وأدى أشرف عبد الغني وزير المالية الأفغاني السابق صاحب خبرة العمل في البنك الدولي اليمين الدستورية رئيساً لأفغانستان وسط مراسم فخمة في القصر الرئاسي في العاصمة كابول. لكن فيما يعتبره كثيرون تقويضاً للديمقراطية، نصب عبد الغني رئيساً بعد التوقيع على اتفاق لمقاسمة السلطة مع عبد الله عبد الله غريمه في الانتخابات، والذي تولى منصب رئيس السلطة التنفيذية بسلطات تعادل سلطات رئيس الوزراء. وبموجب بنود الاتفاق، يتقاسم عبد الغني السلطة مع رئيس السلطة التنفيذية. والوزرات تقسم بين الرجلين ويختار الرجلان معاً القيادات التي تترأس مؤسسات مثل الجيش الأفغاني ويبحثان معا إصلاح النظام الانتخابي للبلاد. وثمة شك محدود في أن هذا الاتفاق ينطوي على تعقيدات محتملة، لكن بالنسبة للأفغان، فإن الأمر يعني أنهم يستطيعون حالياً في نهاية المطاف أن يلقوا وراء ظهورهم العملية الانتخابية التي طال أمدها، وهددت بأن تجر البلاد إلى اضطراب سياسي وتمنح «طالبان» المزيد من المساحة كي تنتعش. وأمام الزعيمين الكثير من التحديات التي تنتظرهما. فلا يتعين عليهما أن يضعا خلافاتهما السياسية جانباً والعمل معاً فحسب، بل يتعين عليهما أن يتوصلا إلى استراتيجية لمواجهة تمرد «طالبان»، الذي أصبح يتزايد جرأة. وفي الوقت نفسه يتعين عليهما تعزيز اقتصاد البلاد في الوقت الذي تغادر فيه معظم القوات الأميركية البلاد بحلول العام المقبل. وسترحل القوات الأميركية ومعها التعاقدات المربحة التي دعمت الكثير من قطاعات الشعب الأفغاني اقتصادياً. ولم تتمخض المحاولات السابقة لدعوة المستثمرين إلى العمل في البلاد عن أي نتائج إيجابية في الوقت الذي تشهد فيه البلاد عملية تحول صعبة. ومن بين التحديات الأخرى التي تواجه الزعيمين، الفوز بثقة الشعب الأفغاني الذي خاب رجاؤه بسبب النظام السياسي للبلاد. وثقة الشعب الأفغاني غاية عزيزة المنال. والجانب الإيجابي الوحيد أن الزعيمين يؤيدان التوقيع على «اتفاق حالة القوات» وهو اتفاق ثنائي حاسم مع الولايات المتحدة لإبقاء 14 ألف جندي في البلاد بعد انسحاب القوات الغربية. وكان حامد كرزاي الذي تدهورت علاقاته بالغرب قد رفض التوقيع على الاتفاق قائلاً إنه سيترك للحكومة التالية البت في الأمر. ودون هذا الاتفاق يتعين على حلف شمال الأطلسي «الناتو» أن يسحب كل قواته بحلول نهاية هذا العام. وتسليم السلطة يُعد علامة أيضاً على نهاية حكم كرزاي، الذي بدأ باعتباره مؤيداً للغرب قبل عشر سنوات، لكنه تحول إلى منتقد شديد له حتى وإن طاردت الاتهامات بالفساد فترة حكمه. وظل كرزاي حتى قبل فترة قصيرة ينتقد بشدة سياسة الولايات المتحدة. وصرح مراراً بأن أميركا لا تريد السلام في أفغانستان، لأن لها قائمة أولويات وأهداف خاصة في هذه البلاد. ويتعين على الرئيس الأفغاني الجديد إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة، التي توترت خلال السنوات الأخيرة في ظل حكم كرزاي. ويسمح الاتفاق الأمني الثنائي ببقاء قوة صغيرة من القوات الأميركية في أفغانستان لتدريب ومساعدة الجيش والشرطة. وتواجه الحكومة سنة مالية جديدة على الفور. وطلبت كابول التي تعتمد على المساعدات الخارجية من الولايات المتحدة ودول مانحة أخرى 537 مليون دولار لتسديد نفقاتها حتى نهاية العام. ولدى الزعيمين الأفغانيين بعض الخبرة السابقة في قيادة البلاد. لكن السؤال يظل إذا ما كانا يستطيعان العمل معاً. فأشرف عبد الغني من قبيلة البشتون وعمل في وقت سابق مستشاراً للرئيس كرزاي بالإضافة إلى أنه شغل منصب وزير المالية في حكومته لبعض الوقت. وخبرته في البنك الدولي في واشنطن الذي تركه ليعود إلى أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر سوف يستفيد منها في عمله. وعبد الله عبد الله من أصول عرقية مختلطة. والدته من الطاجيك ووالده من البشتون. وكان صديقاً مقرباً من أحمد شاه مسعود العضو البارز في تحالف الشمال المناهض لـ«طالبان» الذي اغتيل عام 2001، وكان عبد الله منتقداً قوياً وصريحا لـ«طالبان» عندما كانت الحركة المتشددة تتولى زمام أمور البلاد. وشغل منصب وزير الخارجية ولديه خبرة هائلة في السياسة الخارجية. وبعد التوقيع على الاتفاق، بدا هناك نوع من الجفاء بين الزعيمين، وهي علامة واضحة على الصعوبات التي تواجه اتفاق تقاسم السلطة. والمراقبون ينظرون ويترقبون إذا ما كان الرجلان يستطيعان العمل في تناغم أم أن اتفاق تقاسم السلطة سيتمخض عن خلق مركز ثنائي للسلطة وهو ما لن يتمخض عنه أي شيء سوى إضعاف الحكومة. وأمام الحكومة أيضاً مهمة تعزيز المؤسسات الديمقراطية في البلاد. وهناك تحد آخر للحكومة الجديدة يتمثل في كيفية معالجة العلاقات مع باكستان. ورئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف الذي يواجه مشكلات سياسية في بلاده، اتصل بزعيمي أفغانستان الجديدين وقدم دعمه لهما. لكن الحقيقة تظل هي أن قيادة «طالبان»، التي تتخذ من منطقة الحدود الباكستانية الأفغانية ملاذا تنتظر الموعد النهائي لانسحاب القوات الغربية من أفغانستان لتبسط نفوذها على هذه البلاد. ورغم كل التحديات أمام زعيمي أفغانستان الجديدين آلاف الأفغان ممن أدلوا بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية وشعروا بانفراج همومهم بعد أن شهدوا نهاية مأزق سياسي. ويأمل هؤلاء الناخبون أن تتمكن البلاد التي مازالت تعصف بها الحروب الأهلية وعدم الاستقرار السياسي من البدء على الأقل في المضي قدما إلى الأمام.