يُروى أن هرقل عنّف عظماء قومه بعد هزيمتهم أمام المسلمين، وسألهم: أليس الذين تقاتلونهم بشرٌ مثلكم؟! قالوا: بلى. فقال: فأنتم أكثرُ أم هُم؟ قالوا: بل نحن. فقال: فما بالكم تنهزمون كلما لقيتموهم؟! وأتخيّل أن مجلس الملك ضم قائداً عسكرياً متقاعداً، وأخذ يفكّر بأنهم ما هُزموا إلا بسبب ضعف تحصيناتهم، وعشوائية خططهم، واضطراب صفوفهم، وأنهم لو كانوا قد استعانوا به، وهو مَن هو، لما حدث ما حدث. وأتخيّل أن كبير المحللين السياسيين كان حاضراً، وأخذ يستدعي إلى ذاكرته مصطلحات ساسة ذلك الزمان، وراح يركّب الكلمات فيما بين تلك المصطلحات ليخرج برأي يدهش الحاضرين ويقنع الملك. وأتخيّل أن المجلس ضمّ رجل دين من النوع السطحي، وفكّر أن الهزيمة حاقت بهم لأن الجيش لم يأخذ مباركة الكنيسة قبل الذهاب لملاقاة العدو، وأن العساكر لم يحملوا معهم الكتاب المقدّس. وأتخيّل أن طبيباً حاذقاً كان في المجلس، وفكّر في أن حالة الإعياء التي كانت بادية على الجنود، هي سبب الهزيمة النكراء، خصوصاً أن القادة الميدانيين لم يأخذوا بملاحظاته القيّمة عن سوء الوضع الصحي للجنود. أما الذي حدث فعلاً كما يُروى، أن الصمت ران على المجلس، حتى قام شيخ منهم وقال: أنا أخبرك أيها الملك سبب هزيمتنا وانتصارهم، فنحن إذا حملنا عليهم صبروا، ولم يكذبوا، وهم إذا حملوا علينا صدقوا، وكذبنا. فسأله الملك عن سبب جزعهم وكذبهم عند اللقاء، وسبب صبر المسلمين وصدقهم، فقال: لأنَّ القوم يصومون بالنهار، ويقومون بالليل، ويوفون بالعهد، ولا يَظلِمون، ويتناصفون بينهم. ونحن نركب الحرام، وننقضُ العهد، ونغصبُ، ونظلمُ، ونُفسد في الأرض. وربما كان كل ما خطر ببال أولئك الرجال المتخيَلين صحيحاً، لكن أحداً منهم لم يذهب إلى خلفية المسرح قبل بدء العرض أو المعركة، باستثناء الشيخ الحكيم، الذي رأى الهزيمة من تحت الجلد. وأعتقد أننا في هذه المنطقة، التي تذهب من سيئ إلى أسوأ، تظل عيوننا شاخصة بالأداء على المسرح، ولا أحد يذهب إلى الكواليس. فمآسي العراق الحالية سببها الغزو الأميركي، وهذا الغزو حدث بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، إلى آخر هذا الكلام الذي لا يجيد المحللون السياسيون غيره. أما ما حدث قبل أبريل 2003، فليس ذي أهمية وليس على البال. والثورة السورية – حسب وجهة نظر جماعة الممانعة – الهدف منها القضاء على المقاومة، ويقف خلفها الفرع العربي- الإسرائيلي من المؤامرة، وإلا كانت سوريا ما قبل المؤامرة اللعينة على بُعد خطوة من نموذج كوريا الجنوبية أو النرويج أو حتى الولايات المتحدة. و«الربيع العربي» مؤامرة دولية شاملة، أما ما كان يحدث قبل يناير 2011 في الدول التي تعرضت لـ«المؤامرة» الجهنمية، فلا يمكن أن يفضي إلى ثورة بأي حال من الأحوال! بل على العكس، كان معدل السعادة يرتفع لدى تلك الشعوب كلما مرّ يوم بوجود القذافي أو مبارك. والغريب أننا بدلاً من أن نذهب إلى الكواليس، لنرى ما حدث قبل العرض السيئ الذي نراه، سرعان ما نسدل الستار على هذا العرض إذا سمعنا عن عرض أسوأ.. وهكذا ستائر أمام ستائر حتى ما عاد أحد يصدّق أن للمسرح كواليس.