رغم ميلهم لحساب كل شيء، فإن علماء الاقتصاد متفائلون بشأن قدرة البشر على تحقيق الرخاء. وإذا ما عبّر المرء عن قلقه بشأن التأثير السلبي للنمو المفرط على البيئة، تجد أكثرهم يسخرون: إنك لا تعرف معنى النمو. الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، بول كروجمان، يلوم علماء الطبيعة لأنهم ينظرون إلى النمو كـ«شيء مادي بسيط، ومسألة تتعلق بإنتاج مزيد من الأشياء فقط»؛ ولا يفهمون أن النمو يتعلق بالابتكار وتقرير أي التقنيات والموارد ينبغي استعمالها! لكن دعوني أشرح لماذا أنا أحد العلماء المنشغلين بالمادي. صحيح أن علماء الاقتصاد على حق حين يقولون إن النمو لا يتطلب بالضرورة مزيداً من التلوث، وإن كنا نرى كل ذلك حالياً. صحيح أن البشر يستطيعون التعلم، حيث يمكن مستقبلاً اكتشاف طريقة أخرى للنمو مختلفة تفرق بين الفوائد والتكاليف البيئية، بيد أن ثمة استثناءً مهماً هو الطاقة. إن النمو يتطلب القيام بمزيد من الأشياء، سواء تعلق الأمر بصناعة أشياء أو نقل أشخاص أو تزويد خوادم فيسبوك بالكهرباء أو توفير خدمات قانونية. فكل هذه الأنشطة تتطلب طاقة. والواقع أننا صرنا أكثر كفاءة وفعالية في استعمالها؛ حيث تشير البيانات إلى أن الولايات المتحدة باتت تستعمل نحو نصف الإنتاج الاقتصادي مقارنة بوضعها قبل ثلاثين عاماً. ومع ذلك، فالكمية الإجمالية من الطاقة المستهلكة تتزايد سنوياً. واللافت أن البيانات المستقاة من 200 دولة بين عامي 1980 و2003 تنسجم مع نسق ثابت: ففي المتوسط، يزداد استعمال الطاقة بنحو 70? في كل مرة يتضاعف فيها الإنتاج الاقتصادي. وهذا ينسجم مع أشياء أخرى نعرفها من علم البيولوجيا؛ إذ أن الكائنات الحية الأكبر تستعمل الطاقة على نحو أكثر كفاءة وفعالية مقارنة بالكائنات الحية الأصغر؛ لكنها تستعمل قدراً أكبر من الطاقة. لكني لم أر بعد عالِمَ اقتصاد يقدم حجة قوية حول الكيفية التي سيتحرر بها البشر من مثل هذه القيود المادية. بل إن علماء الاقتصاد اليوم يتحاشون مناقشة كيفية ارتباط الطاقة بالنمو، والذي ينظر إليه كنتيجة لتفاعلات رأس المال والعمل. لكن لماذا يكتسي استعمال قدر أكبر من الطاقة كل هذه الأهمية؟ أحد الأسباب أن استعمال قدر أكبر من الطاقة يغذي ويساهم في كل الأشياء السيئة التي نحاول الكف عن القيام بها، مثل التسبب في التلوث، وتدمير الغابات، والقضاء على مواطن الحيوانات، وتغطية الكوكب بشبكة من الطرق. لكن حتى إذا حدثت معجزة وتحركنا لعلاج مشكلة ثاني أوكسيد الكربون، فإن ذلك لن يمثل حلاً دائماً. وإذا واصل استهلاك الطاقة وتيرته الحالية، فإن الحرارة المنبعثة عن الأجهزة وحدها ستؤدي إلى ارتفاع حرارة كوكب الأرض بالقدر نفسه الذي يتسبب به ثاني أوكسيد الكربون. وبذلك، ستصبح لدينا مشكلة احترار عالمي أخرى. وشخصياً، لستُ واثقاً من أن الاقتصاد قد تحرر من قواعد الفيزياء والبيولوجيا. فربما سنضطر أخيراً إلى مغادرة كوكب الأرض والعيش بين النجوم هرباً من حدود كوكبنا. لكن بعيداً عن هذه الأحلام، أقول إن الحدود المادية للنمو تنطبق علينا بقدر ما تنطبق على مستعمرة بكتريا تتسع وتتمدد إلى جرة ماء محلى. مبعث السخرية هنا أن علماء الاقتصاد يحبون الحديث عن المقايضة والإكراهات؛ كما يحلو لهم القول بأنه لا وجود لشيء اسمه وجبات مجانية. ـ ـ ـ ــ مارك بوتشنان عالم فيزياء أميركي ---------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»