ربما كان هناك اعتقاد في البداية بأن الأحداث الراهنة المتدافعة في المنطقة العربية لا تمس الغرب، وإذا بالغرب يجد بعضاً من مواطنيه ينضمون إلى تنظيمات راديكالية عنيفة، مثل ما يسمى بـ«داعش». وقد أخذ الغرب ينشغل في كيفية مواجهة تطرف بعض مواطنيه، فهم يحملون أفكاراً سامة ومدمرة، وتقول «دنيا بوزار» مديرة مركز الوقاية من التطرف الديني في فرنسا في شرحها للظاهرة: «إن الانتقال إلى التشدد ينتج عن لقاء بين شاب مرتبك يطرح الكثير من الأسئلة عن المظالم التي يشاهدها، وبين خطاب يحوله واهماً إلى منقذ للبشرية! والتعبئة الإيديولوجية تبدأ في أكثر الأحيان عبر الإنترنت». ويضيف أحد المصادر الفرنسية الضليعة في هذا الشأن أن: «ثلثي الأشخاص الذين غرقوا في إيديولوجيات التشدد الإسلامية عبر الإنترنت لم يكونوا معروفين لدى أجهزة الاستخبارات، وهذه الظاهرة في ازدياد سريع، وبدأت تطاول أكثر فأكثر الإناث». ويتابع المصدر قوله «إن التربية الدينية لم تعد ضرورية بالنسبة للمتطرفين، والدليل على ذلك أننا نشاهد أحياناً تعليقات من هؤلاء الشبان وهم يقولون: أنا آخر همّي الإسلام! إنني أقوم بجهادي الشخصي، وهكذا يتم التسويق لتنظيم داعش الإرهابي على أنه الجنة المنتظرة، حيث الأموال متوافرة بكثرة». ومما يعقد الظاهرة أيضاً أن بعضاً من هؤلاء الشباب ليسوا مسلمين، والحيرة تزداد في فهم آلية التسويق للجماعات الإرهابية أو المتشددة التي تسوّق للعنف. ويقول البعض إن هؤلاء يشعرون بالإحباط المدمر، وإنهم فقدوا معنى الحياة، فيندفعون نحو الجديد الذي يتوهمون أنه يمكن أن يخلصهم من معاناة اجتماعية مدمرة! ووجدوا في وسائل التواصل الاجتماعي مخرجهم للانضمام لعصابات تبيعهم الوهم. ونرى أن الأزمة كبيرة وهي تتجاوز الفهم الضيق الذي ينطلق منه البعض حول الإسلام أو المسلمين. فهؤلاء يحملون أفكاراً مدمرة، ويبحثون عن الخلاص الذي يتوهمونه لدى عصابات المافيا السياسية التي تحولت إلى أداة متوحشة للتدمير، وهي أداة لأجهزة استخبارية عاتية وضليعة في النفس البشرية، وتعمل وفق آليات نفسية أو سيكولوجية تصطاد فيها الشباب المحبط والمتعثر الذي لا يرى في الحياة معنى. وفي لغة علم النفس يطلق على هؤلاء الضائعين توصيف بأنهم مصابون باضطراب الاغتراب الذي حلله عالم الاجتماع الفرنسي «دوركهايم»، وهو الذي عاش الظاهرة بعد الثورة الصناعية، وفسرها بأنها أحد الأمراض الاجتماعية التي يفقد فيها الفرد أي معنى للحياة، وتجده يبحث عن مخرج لمعاناته النفسية، وقد يجده في الموت أو ما أطلق عليه «الانتحار الطوعي»، وفي هذه المرحلة نرى أن الاغتراب يبعث بهؤلاء التائهين إلى مسالك مميتة ومدمرة، وهذا يقتضي محاولة فهم الأسباب التي دفعت بهم نحو هذا السلوك. فالظاهرة معقدة بجوانبها النفسية والاجتماعية، وهي نتاج لصراعات أفرزتها العولمة بتوحشها، وجعلت كثيراً من الشباب يفقد الطريق نتيجة لصراعات نفسية داخلية تكمن في الذات غير السويّة، وتدفعها نحو البحث عن «الخلاص» في السراب! وعلى رغم خطورة الظاهرة نجد في المقابل أن التحرك العالمي يتسم بالتردد والبطء في وضع استراتيجيات نفسية واجتماعية تعمل على فهم أبعاد ظاهرة العنف المدمر الذي ينتشر بين شرائح منحرفة من الشباب. فبعض السياسات العامة التي تفرضها العولمة نحت بعيداً عن الجوانب الإنسانية، بل إنها في أحيان كثيرة أحدثت تفسخاً اجتماعياً فاحشاً يقود النفس إلى الانعزال، ومن ثم تتبلور فكرة «الخلاص» الدنيوي الموهوم وتظهر نماذج سلوكية عنيفة تحقق الرضا النفسي المرَضي لمن يمارس العنف بأشكاله المختلفة. ولعل ظاهرة قطع الأعناق تدخل ضمن حالة البحث عن «الرضا النفسي» السادي! الذي يرى الدم وهو يسيل وسيلة ومتعة تشبع رغبات مرَضية كامنة في النفس البشرية للشخص المتطرف المنحرف.