بلغ الدخل القومي الإسرائيلي سنة 2008 نحو 200 مليار دولار، أي أن متوسط دخل الفرد زاد على 27 ألف دولار، وكان هذا المستوى، كما يقول د. فضل النقيب «أعلى من مستوى معيشة الفرد في كل من إسبانيا واليونان والبرتغال». ويشير الباحث إلى «تفاوت كبير بين حجم الاقتصاد الإسرائيلي واقتصاد الدول العربية المجاورة (مصر وسوريا ولبنان والأردن)، فمع أن عدد سكان إسرائيل يساوي 6.5% من عدد سكان الدول العربية المجاورة - 7.3 مليون مقابل 112 مليوناً - فإن حجم الإنتاج الإسرائيلي يعادل نحو 75% من مجموع الإنتاج لدى الدول الأربع، أما متوسط دخل الفرد الإسرائيلي فإنه يساوي 12 ضعف متوسط الدخل المرجح للفرد العربي في الدول العربية المذكورة». كما يجد الباحث «فارقاً كبيراً بين الفرد الإسرائيلي والفرد العربي في مجالات استخدام الطاقة والاتصالات والمعلومات». فإذا كان نصيب الفرد الإسرائيلي عام 2008 نحو 28 ألفا، فإن نصيب المصري كان 1991 دولاراً، والسوري 2682 والأردني 3569، واللبناني 6978. وإذا كان متوسط استهلاك الطاقة للفرد عام 2007 في مصر 1384 كيلوواط في الساعة، وسوريا 1469، ولبنان 2154، والأردن 1956، فإنه كان في إسرائيل أكثر من 7000 كيلوواط في الساعة. وكان لدى كل ألف شخص في إسرائيل 741 جهاز كومبيوتر في سنة 2004، بينما كان المتوسط العربي المرجح يصل إلى 52 جهازا فقط، وكانت الأرقام آنذاك 32 كومبيوترا لكل ألف شخص في مصر، والعدد نفسه في سوريا، و55 في الأردن و113 في لبنان. رصد الباحث عام 2008 تحولات في البنية الهيكلية للاقتصاد الإسرائيلي، فمنها تضاؤل أهمية الزراعة، وهو الطور الذي يرافق عادة التقدم الصناعي، ومنها ازدياد أهمية قطاع الخدمات، ومثل هذا التطور يقول: «يرافق عادة مرحلة متأخرة من التقدم الاقتصادي»، ويضيف شارحاً: «فبعد اكتمال التصنيع والانتقال إلى الصناعات ذات التكنولوجيا العالية، والاندماج في الأسواق العالمية وازدياد أهمية التصدير، تأخذ الخدمات المالية والتأمينية والمعلوماتية والتسويقية دوراً مهماً وضرورياً، وهو ما حدث في الاقتصاد الإسرائيلي». أما التحول الثالث فهو نمو الصناعات التكنولوجية العالية، وكانت حصة القطاع الزراعي من الناتج الإجمالي الإسرائيلي عام 2004 (1.7%) والصناعة التحويلية (14.4%) والكهرباء والمياه (7.1%) والخدمات (76.8%). وتبين بعض جداول الكتاب تحولات مهمة في طبيعة الصادرات الإسرائيلية، حيث هيمنت السلع الصناعية على بقية الصادرات عام 2004 بنسبة 94.3% من هذه السلع، حوالي نصفها من الصناعات العالية التقنية ومنها «الكيماويات ومنتوجات النفط والأجهزة الإلكترونية والمحركات الكهربية وأجهزة الاتصالات الإلكترونية ومعدات المواصلات»، وكيف الاقتصاد الإسرائيلي نفسه مع ظرفين دوليين في غاية الأهمية، هما العولمة والخصخصة. وكانت الخصخصة قد بدأت منذ ستينات القرن العشرين وتشمل ثلاثة مجالات هي بيع منشآت الدولة، وتحديث وخصخصة الشركات التي تملكها الهستدروت والتي كانت تشكل 35% من أكبر 100 شركة صناعية سنة 1985، والمجال الثالث يتمثل في خصخصة المصارف الخمسة الكبرى التي تهيمن على معظم النشاط المالي في إسرائيل، وقد تم إنهاء احتكار القطاع العام، وسمح للقطاع الخاص بالعمل في مجالات الطاقة والاتصالات والتعليم والصحة، وتمكنت الحكومة خلال عشر سنوات من بيع 68 شركة حتى عام 1996، بينما تعثر بيع الشركات الكبرى لفترة. ومن أهم الشركات التي لم تعد الحكومة تملكها شركة طيران «إل - عال»، وشركة الملاحة «زيم»، وشركات الاتصالات «بيزيك» و«شركة الكهرباء الإسرائيلية» وغيرها، وفي سنتي 2005 و2006 سارت إجراءات خصخصة منشآت تكرير النفط في حيفا وأشدود. ويقول الباحث إن عملية خصخصة المصارف كانت تسير ببطء، وإن تسارعت بعد سنة 1997، خصوصاً بعد توقيع اتفاق السلام مع الفلسطينيين، ويبين أن لدى خمسة مصارف إسرائيلية كبرى نحو 90% من النشاط المالي وهي: لئومي، هبوعاليم، إسرائيل ديسكاونت، همزراحي، وفيرست انترناشيونال، حيث يتركز معظم النشاط المالي في المصارف الثلاثة الأولى. ولم تكن عملية بيع أسهم المصارف الإسرائيلية جذابة للمستثمرين، خصوصاً الأجانب، حيث لا تعطي قوانين هذه المصارف حامل الأسهم قوة تصويت متلائمة مع عدد أسهمه، فمن يملك أغلبية الأسهم لا يملك أغلبية الأصوات عند اتخاذ قرارات تحتاج إلى تصويت، إذ أن معظم الأصوات يحتفظ به القانون لحاملي الأسهم المؤسسة، فعلى سبيل المثال، يبين د. النقيب «أن صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار هو مؤسس بنك لئومي، ومع أنه كان لا يملك في أواسط التسعينات أكثر من 2% من الأسهم، إلا أن له الحق في 75% من أسهم التصويت». ومن المعروف أن تجارة إسرائيل الخارجية هي في الدرجة الأولى مع أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، مع ازدياد مطرد في الأعوام الأخيرة مع دول شرق آسيا، ومن الممكن القول إن إسرائيل نجحت في دمج اقتصادها في الاقتصاد العالمي. ولم تستمر الآمال المعقودة على اتفاق أوسلو ومعاهدة وادي عربة مع الأردن سنة 1994، «ومع مرور الأيام اتضح بشكل لا يقبل الشك أن المواطن الفلسطيني أو الأردني، لا يشعر بأي تحسن في وضعه الاقتصادي، وعلى العكس من ذلك، فدخل المواطن الفلسطيني في الضفة والقطاع تراجع عما كان عليه قبل العملية السلمية، كذلك فإن الضائقة الاقتصادية التي مر بها الأردن في أواخر الثمانينات وبعد حرب الخليج لم تتراجع بفعل فوائد السلام، وكان من المتوقع أن يتضاعف حجم التبادل التجاري بين إسرائيل وكل من فلسطين والأردن، لكن ما جرى هو العكس». وطغت اعتبارات إسرائيل الأمنية وقيودها على هذه الاتفاقات، فقد «فوجئ الأردنيون وهم يرون إسرائيل ترفض فتح الأبواب أمام الصادرات الزراعية الأردنية بشكل معاكس للاتفاق، وتتذرع إسرائيل بأن العراقيل التي تضعها أمام الصادرات الفلسطينية تعود إلى اعتبارات أمنية، وأن رفضها للصادرات الأردنية يعود إلى مقاييس صحية، ويرى بعض الباحثين الناقدين لسياسات الاستيراد الإسرائيلية، «أن العراقيل التي تضعها أمام الصادرات الفلسطينية انتقائية، فهي تسمح لشاحنة فيها مواد يحتاج إليها المنتج الإسرائيلي بالمرور عبر المعبر بسرعة، أما الشاحنات التي تشمل بضائع منافسة للبضائع الإسرائيلية، فإنها تضطر إلى الانتظار فترات طويلة». ويتحدث الباحث بشيء من التفصيل عن إنجازات التقدم العلمي في إسرائيل فيقول: «حققت إسرائيل في نصف القرن الماضي، إنجازات هائلة في مجالات التقدم العلمي والصناعي بشكل جعل منها مركزاً لتصدير بعض المنتجات الصناعية ذات التكنولوجيا العالية، كما جعل من جامعاتها ومؤسسات البحث العلمي فيها مركزاً يتمتع بسمعة عالمية، وعلى اتصال دائم بأهم مراكز البحث العلمي في العالم». ويرجع الباحث الفضل في تحقيق هذه الإنجازات إلى وجود إجماع قومي على رعاية رأس المال البشري وتطويره، كما أن الحكومات المتعاقبة استمرت في إعطاء البحث العلمي أولوية مطلقة في مجالاته النظرية والتطبيقية كافة. ويبين الباحث أن إسرائيل أعلى دول العالم إنفاقاً على البحث العلمي، فبموجب إحصائيات وأرقام البنك الدولي لعام 2009 أنفقت إسرائيل على البحث العلمي 4.74% من الناتج المحلي الإجمالي، تليها اليابان 3.45% وكوريا الجنوبية 2.64% والولايات 2.67% وسنغافورة 2.61%، وكان نصيب مصر 0.23% من جانب آخر، كان عدد الذين أنهوا أكثر من 13 عاماً دراسياً في سنة 2005 أكثر من النصف. ويرجع السبب في التقدم الإسرائيلي العلمي إلى «استمرار تدفق المهاجرين، خصوصاً ما حدث في التسعينات من القرن الماضي، فقد تم استيعاب مليون مهاجر من روسيا ذوي مستوى ثقافي أعلى من متوسط المستوى الثقافي في إسرائيل».