أشارت اللجنة المختصة بتنفيذ حملة الدبلوماسية العامة الأميركية مؤخرا، إلى أن ما نسبته 12 في المئة من الأشخاص الذين تم استطلاع آرائهم في مسح أجرته اللجنة هم فقط الذين يرون أن الأميركيين يحترمون القيم العربية - الإسلامية · ورأت اللجنة أن مثل تلك المواقف، هي التي تؤدي إلى خلق مناخ سام يساعد على تفاقم المشاعر المعادية لأميركا، ويؤدي إلى شل سياساتها الخارجية، وتشجيع العناصر الإرهابية على العمل ضدها· ولمعالجة هذه المشكلة اقترحت اللجنة إعادة تنظيم الحكومة الأميركية، وإنفاق مئات الملايين من الدولارات سواء لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ حملة الدبلوماسية العامة، أو للإنفاق على توفير شواغر لوظائف جديدة في الإدارة· هذا ما اقترحته اللجنة، أما أنا فإنني أقدم اقتراحا أكثر بساطة، وأكثر إلحاحا في الوقت نفسه هو : إعفاء الجنرال ويليام جي·بويكين من منصبه·
و ويليام جي بويكين هذا هو جنرال تم تعيينه مؤخرا في أحد المناصب المهمة في البنتاجون، كان قد دأب خلال السنتين الماضتين على إلقاء خطب أمام جماعات مسيحية أنجليكانية يصف فيها معركته مع أحد زعماء الحرب الصوماليين المسلمين، قال في إحداها: كنت أعلم أن ربي أعظم من ربه··· كنت أعلم أن ربي حقيقي·· وأن ربه ليس إلا وثنا ·
وفي رأيي أن هذا الجنرال لو واصل الإدلاء بتصريحات من هذه النوعية، فإن أسامه بن لادن لن يكون في حاجة بعد ذلك إلى عمل شرائط تسجيل جديدة، لأن مثل هذه التصريحات ستثبت للعالم كله أن الأميركيين ينظرون إلى جميع المسلمين على أنهم أعداء لهم· وهناك درس بسيط أريد أن أذكر به رؤساء الاستخبارات في البنتاجون، وهو أن الإسلام قد جاء لكي يحارب عبادة الأوثان - ضمن أشياء أخرى- وأنا أسألهم هل رأى أحد منكم تمثالا للنبي محمد؟
وأذكر هنا تعليقا آخر مضحكا لذلك الجنرال عن جورج دبليو بوش قال فيه: كيف وصل الرئيس إلى البيت الأبيض على رغم أن غالبية الناخبين لم يصوتوا لصالحه··· لقد وصل هناك لأن الله يريد ذلك · معنى ذلك أن بويكين يعتقد أن الله يتدخل بشكل روتيني في الانتخابات الأميركية، وأن ذلك لا ينطبق على جورج دبليو بوش فقط، وإنما ينطبق كذلك - كما قال هو نفسه- على بيل كلينتون · إنها لعمرى أول مرة يقوم فيها أحد المحافظين الأنجليكانيين بالادعاء بأن انتخاب كلينتون قد تم بسبب تدخل العناية الإلهية!·
وعند سؤال وزير الدفاع السيد دونالد رامسفيلد عن رأيه في تلك التصريحات فإنه رفض أن يدينها وإنما اكتفى بالقول : اننا شعب حر · المسألة هنا ليست هي ما إذا كان الجنرال حرا في الإدلاء بما يشاء من تصريحات أم لا· ليست هذه هي المسألة· المسألة في رأيي هي : هل يرغب رامسفيلد في بقاء رجل يحمل هذه الآراء في منصب كبير في البنتاجون؟· ألم يكن سيتم عزل بويكين من منصبه لو كان قد أدلى بتصريح قال فيه مثلا إن حرب العراق كانت خطأ فادحا ؟·· ألم يكن سيتم عزله لو قام بالإدلاء بتصريحات سامة ومعادية للسامية مثل تلك التي أدلى بها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد ؟ لا أظن ذلك· لماذا ؟· لأن تصريحات كهذه تتعارض مع الفلسفة الأساسية لإدارة جورج بوش · هل نفهم من ذلك أن التصريحات المسيئة للإسلام التي أدلى بها الجنرال لا تتعارض مع فلسفة تلك الإدارة؟ هذا سؤال ينتظر الإجابة عليه·
نحن لا نطالب هنا أن يقوم رامسفيلد بتكميم الجنرال، ومنعه من الكلام، وإنما كل ما نريده من رامسفيلد هو ألا يقوم بوضعه في منصب كبير في البنتاجون ، وأن يتركه كي يذهب للعمل في شركة من شركات القطاع الخاص، حيث يمكنه أن يدلي بما يشاء من تصريحات بقدر أكبر من الحرية·
إن وظيفة بويكين الرسمية هي نائب وكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستخبارات وهو بحكم هذا المنصب سيجد نفسه مضطرا للتعامل بشكل روتيني مع الباكستانيين والمصريين والأفغان، وغيرهم من المسلمين من جميع أنحاء العالم· وطالما أن الأمر كذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يمكن لرجل مثل بويكين هذا أن ينجح في تأسيس علاقات عمل وثيقة مع المسؤولين المنتمين إلى الدول التي ذكرناها آنفا أو غيرها، بعد أن شاهدوه كلهم وهو يخطئ في حق دينهم؟ هل يمكن لرجل مثل هذا أن يكون موضوعيا وهو يقوم بغربلة المعلومات والاستخبارات والتحليلات التي تتناول أحوال المجتمعات الإسلامية، وتبين الفارق بين المعتدلين وبين المتطرفين، والفارق بين الجماعات الأصولية المختلفة ذاتها؟ أم أنه سينظر إليهم جميعا على اعتبار أنهم شياطين ؟ وهي الكلمة التي استخدمها لوصف المسلمين في أحد تصريحاته العديدة·
إن أكثر ما يثير الانزعاج بشأن تعليقات ذلك الجنرال هو ما تنم عنه من جهل مطبق· قارنوا تصريحاته الفجة التي قال فيها إن ربي أكبر من ربه بتلك الكلمة البليغة، والصحيحة تاريخيا، التي ألقاها الجمعة الماضي السيناتور جوزيف آي· ليبرمان أمام جمع من الأميركيين العرب قائلا فيها: نحن نلتقي اليوم هنا ليس باعتبارنا مسلمين أو مسيحين أو يهودا··· نحن لا نلتقي هنا باعتبارنا أشخاصا ننتمي إلى أصل عربي أو أوروبي أو أفريقي أو