في نهاية أغسطس الماضي قضيت أياماً ثلاثة في مدينة القطيف شرق السعودية، في فترة من الهدوء النسبي، وشبه انعدام لنقاط التفتيش وسلاسة الحركة، قمت برصد انطباعات الأهالي ورؤيتهم لحاضرهم ومستقبلهم وشيء من مخاوفهم. كان التضجر والتململ والانزعاج من الحركية النشطة التي لا تهدأ في المنطقة هو السمة الثابتة، وباح بعض من أصدقائي ومعارفي بالشكوى ممن تسببوا بالاضطرابات والاعتداءات الأمنية الذين جلبوا الكوارث والمصائب على أهالي القطيف، في الوقت نفسه كان وسط بلدة العوامية يشهد مشروعاً حكومياً لتطوير وسط المدينة ونزع الملكيات الذي قوبل بسعادة وارتياح. ومن المثير لدهشتي أنني قلما حضرت مجلساً أو التقيت بوجيه إلا وتفاجأت بأن واحداً أو اثنين أو ثلاثة من أولاده يتلقون تعليمهم الجامعي وما بعده خارج البلاد على حساب دولتهم المملكة العربية السعودية، في الولايات المتحدة الأميركية أو في بريطانيا أو غيرهما، بمن فيهم أبناء المواطن السعودي نمر النمر الذي صدر بحقه حكم بالإعدام الأسبوع الماضي. وفي فرصة نادرة حظيت بمرشد يدلني على الأماكن التي استهدف منها رجال الأمن في الفترات التي شهدت توتراً ومسيرات في السنوات الثلاث الماضية، وكيف استفاد بعض المسلحين من بعض الأماكن للتمركز فيها لإطلاق الرصاص أو رمي قنابل «المولوتوف». وكان من المؤسف أن بعضاً من السعوديين بمن فيهم سنة من أهالي القصيم ووافدون من سنة إيران يدرسون في الجامعات السعودية، ومن شيعة من أهالي المنطقة الشرقية قد ألقت السلطات عليهم القبض في نهاية 2013 إثر رصد تخابر لهم مع المخابرات الإيرانية، عرفوا بخلية التجسس. يكمن جزء من المشكلة لدى المواطنين السعوديين من شيعة القطيف في بعض من رموزهم الذين تآكلت شعبيتهم، وذوَى تأثيرهم، فهم يحرصون على التشبث المرَضي بأن يبقوا هم وحدهم من دون غيرهم في الصورة وأن يحتكروا وسائل التواصل والقنوات مع المسؤولين وأصحاب القرار. وتحتاج سياسة الدولة التي انتهجتها عبر عقود من إسباغ الحظوة على فئة من ذوي التاريخ المعارض من الناشطين السياسيين، الذين عادوا إلى البلاد في عام 1993 إلى إعادة نظر، فقد صنعوا صورة مبالغاً فيها عن أنفسهم من أنهم هم صمام الأمان ومرتكز التوازن الاجتماعي في المنطقة، وحين عاشت المنطقة انفلاتاً أمنياً أعلنوا عجزهم عن القيام بدورهم. وقد نتج عن هذه السياسة أن تدمن فئة منهم دور الوجيه الذي يجب أن يستأثر هو بدور الوساطة في كل صغيرة وكبيرة، هو ومجموعة صغيرة من أتباعه ومريديه والدائرين في فلكه والمنتفعين بما يمنحهم. وقد نتج عنه مشاكل كبيرة وفساد في القلوب وشحناء بين الناس، وإقصاء آخرين هم أكثر حكمة وثقة وخوفاً على أمن بلدهم وحدباً على مصالح مواطنيهم. تبدو اللحظة هذه بعد تطورات الحكم الابتدائي على نمر النمر مناسبة جداً لتكثيف التوعية للأهالي في القطيف على أن العنف والإرهاب تجب إدانته من الجميع، وأنه لا يمكن البتة لأي مطالب اجتماعية، أن تجد القبول إذا كان العنف والسلاح والفوضى هو الذريعة لذلك. على كل سعودي أياً كانت ديانته أو نحلته أو فكره، وعلى كل من يعيش على أرض الجزيرة العربية، وعلى كل من تعبث به حميا العمالة والخيانة أن يعي تماماً أن المملكة العربية السعودية صمدت ثلاثمائة عام، وستبقى شامخة قوية، وأرضاً خصبة ولادة للعظماء، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأن سنة التاريخ ونواميسه وسيرورته، كانت عبر قرون تساير هذا البلد الأمين، وتحن عليه يد الله من فوقه، فما عسى أن يفعل بنا أعداؤنا!