يختلف معنى النجاح باختلاف الشخص، والظرف، والزمان، والمكان، فقد يعني أحياناً بلوغ مرتبة اجتماعية مرموقة، أو جمع ثروة طائلة، أو تحقيق هدف معين كاجتياز الامتحانات والاختبارات الأكاديمية، أو هو ببساطة، مضاد ونقيض الفشل. وكما تتعدد وتتنوع معاني النجاح، تتعدد وتتنوع أيضاً الظروف والعوامل التي تساعد على تحقيقه، أو تلك التي تمنع من بلوغه. ويمكن تقسيم هذه العوامل إلى قسمين رئيسيين، القسم الأول هو ما يمكن أن نطلق عليه العوامل الخارجية مثل الظروف الاقتصادية السائدة، أو قوة وشراسة المنافسة، أو توفر ظروف اجتماعية مناسبة، كمستوى تعليم متميز، أو علاقات اجتماعية خاصة للأسرة والفرد، وغيرها من الظروف والعوامل البيئية الخارجية المحيطة. أما القسم الثاني من عوامل النجاح فيمكن أن نطلق عليه العوامل الشخصية، أو الذاتية، أي تلك الصفات، والميزات، والقدرات، التي يتمتع بها الشخص نفسه، وتقبع في داخله وذاته. ولكن قبل الاستطراد لابد من التنويه هنا بأن هذه العوامل الذاتية، تتأثر وتتشكل إلى حد كبير، بالعوامل الخارجية سابقة الذكر، مثل مستوى التعليم، والبيئة الاجتماعية، وخلافه. وبدورها يمكن تجزئة العوامل الذاتية إلى جزءين، الجزء المادي، أي المحسوس، والجزء غير المادي، أي غير المحسوس. ومن الأمثلة على الجزء المادي: الطول وأهميته مثلاً في تحقيق النجاح للاعبي كرة السلة، أو كتلة العضلات وأهميتها في تحقيق النجاح للمصارعين ورافعي الأثقال، أو سعة الرئتين، وأهميتها في تحقيق النجاح للعدائين، والسباحين، وغيرها من الأمثلة. وبعض هذه الصفات مثل كتلة العضلات، وسعة الرئتين، من الممكن تحسينها وزيادة قدراتها من خلال المثابرة والتمرين المستمر، وبعضها غير قابل للتحسين، مثل الطول، الذي يندرج تحت الصفات الوراثية. وتخضع جميع هذه الصفات البدنية -حتى تلك التي يمكن تحسينها- إلى حد أقصى من زيادة القدرة، والحجم، والكفاءة، حسب التركيبه الوراثية للشخص. أما الجزء الثاني من العوامل الشخصية الذاتية للنجاح، أو الجزء غير المادي، فيحتوي على مجموعتين رئيسيتين، الطباع، أو سمات وصفات الشخصية، والذكاء. وتختلف الطباع، والصفات الشخصية، عن الحالة النفسية، مثل الفرح، والحزن، والاكتئاب، والقلق، والتوتر، والتي دائماً ما تكون مؤقتة مهما طالت، أما الصفات الشخصية التي تتجسد في أنماط ثابتة ومتكررة، من السلوك، والتفكير، والمشاعر، فغالباً ما تكون دائمة، تلازم الشخص خلال الجزء الأعظم من حياته، وتتعدد بشكل لا يحصى تقريباً، وهو المجال الذي يحتل مساحة كبيرة من اهتمام علماء النفس، ضمن النظرية المعروفة بنظرية السمات (Traits Theory). وعلى مر العصور اعتبرت بعض السمات الشخصية -في الثقافة العامة- من محددات وأساسيات النجاح، مثل الجد والمثابرة، والدقة في العمل، واحترام المواعيد، وتحمل المسؤولية، والترتيب والنظام، وأحياناً حتى الاستيقاظ المبكر، والعناية بالهندام والنظافة الشخصية. ومرة أخرى، لا يمكن حصر جميع الصفات الشخصية التي ارتبطت واقترنت بالنجاح، حيث تختلف باختلاف الثقافة، وبتغير الأزمان والعصور. وإذا ما انتقلنا للمجموعة الثانية من جزء العوامل الشخصية أو الذاتية، أو الذكاء، فسنجد أن الأصل في وصفه بالمجموعة يعود إلى تعدد وتنوع مظاهر الذكاء، حسب نظرية الذكاء المتعدد (Multiple Intelligences)، التي تقسم وتصنف الذكاء إلى أشكال وأصناف محددة، بدلاً من النظرة التقليدية للذكاء، على أنه قدرة، أو صفة عامة، يمكن توظيفها في جميع الظروف والأحوال، بنفس الاقتدار والبراعة. فعلى سبيل المثال يُمّكن الذكاء اللفظي- اللغوي صاحبه من أن يكتب أروع الروايات وأشهر القصص، دون أن يكون قادراً على التفرقة بين أبسط النغمات الموسيقية، وفي الوقت نفسه يُمّكن الذكاء الموسيقي-الإيقاعي صاحبه من كتابة نوتة كاملة لأروع القطع الموسيقية، دون أن يكون قادراً على أن يأتي بعنوان مناسب لرائعته. كما يمكن أن يكون الطفل متميزاً في العمليات الحسابية والرياضية، دون أن يكون متمتعاً بأبسط المهارات البدنية التي تمكنه من مجاراة أقرانه في لعب كرة القدم. ومن ضمن أنواع الذكاء -حسب النظرية السابقة- التي يتزايد الإدراك بأهميتها كأحد محددات النجاح، ما يعرف بالذكاء العاطفي أو الاجتماعي (Emotional Intelligence)، الذي أحياناً ما يسمى المهارات الاجتماعية. ويختص هذا الذكاء بطريقة وكيفية التعامل مع الآخرين، حيث يتصف المتميزون في هذا النوع من الذكاء، بقدرتهم على إدراك مشاعر، ومزاج الآخرين، وحالتهم النفسية، ودوافعهم الشخصية، كما يتميزون بقدرتهم على التعاون مع الآخرين، والعمل ضمن مجموعة أو فريق. ويستطيع أصحاب الذكاء الاجتماعي المرتفع التواصل والتفاهم مع الآخرين بكفاءة ودقة، والتعاطف والمواساة بسهولة، كما أنهم يستمتعون بالمناقشات والحوار. وغالباً ما ينجح ويتميز هؤلاء في مجالات معينة، مثل السياسة، والإدارة، والتسويق والمبيعات، والتدريس، والإرشاد، والعمل الاجتماعي. ويتضح من هذا العرض الموجز للمعاني المتنوعة للنجاح، وتباين العوامل المؤدية إليه، أو المساعدة عليه، مدى تركيب وتعقيد هذا المفهوم، وتأثره بالظروف الخارجية، وبالصفات البدنية، وبالسمات الشخصية، وبنوع الذكاء الفردي، وإن كانت الحقيقة الثابتة هي أنه غاية بشرية، ومطمح إنساني، يجلب اللذة، ويصنع السعادة، على كل حال.