نشرت جريدة «واشنطن بوست» انفوجرافيك لأعداد وجنسيات مقاتلي «داعش» في سوريا، وكان هناك رقم لافت: 3 آلاف تونسي! وتقول الكاتبة التونسية آمال موسى في مقالة لها إنه خلافاً للمقاتلين، فقد مُنع 9 آلاف شاب تونسي من السفر إلى سوريا، أي خُمس الجيش التونسي، وتضيف أن التونسيين من أشرس المقاتلين في صفوف «داعش» وأكثرهم عدوانية! وإذا أخذنا في الاعتبار أن «حركة النهضة» تعد الطرف الأقوى في الائتلاف الحاكم حالياً، رغم أنه لم يكن لها حضور فاعل على الساحة التونسية إلى ما قبل «بن علي» بيوم واحد. وإذا أضفنا إلى هذا كله الجماعات السلفية، التي أخذت تخرج مثل الفطر، خصوصاً السلفية الحركية و«الجهادية»، فهل يمكن أن نخرج باستنتاج مفاده أن الإسلام السياسي له شعبية كبيرة في تونس؟ وعلى افتراض صحة هذا الاستنتاج، فهل للقوانين التونسية دور في ذلك؟ نحن نعلم أن قوانين معظم الدول العربية لا تتعارض مع أحكام الشريعة، خصوصاً الأحكام الثابتة بأدلة قطعية الثبوت وقطعية الدلالة، كإعطاء الأنثى نصف نصيب الذكر من الميراث. وتبقى أحكام الشريعة فيما يخص الأسرة نافذة، وهي الأحكام الأهم بالنسبة لعموم الناس، إذ تمسّهم مباشرة وتدخل في صميم العلاقات في الأسرة الواحدة، كتحريم الإجهاض، وإباحة تعدد الزوجات، وحرمة التبني. أما في تونس، فالقوانين منذ العهد البورقيبي تحظر تعدد الزوجات، وتبيح التبني، وتجيز الإجهاض، وتمنع الزواج ممن تقل عن 17 سنة، وتساوي الأنثى بالذكر في الميراث. وإذا كانت تلك القوانين في نظر بعض النخب رائدة وعصرية، ففي المقابل، يمكن لواعظ مبتدئ أن يثبت اصطدامها بأحكام الشريعة، خصوصاً أنها أحكام لا خلاف على دلالتها، ولم تكن محلاً لأخذ عموم الفقهاء وردّهم، على عكس قضايا خلافية كثيرة، كالفوائد البنكية والموسيقى وغيرها. وعليه، هل يمكن القول إن الشاب التونسي يفتح عينيه على التناقض بين ما يتلوه في صلاته وبين القوانين المفروضة عليه داخل بيته، ويشعر بالانفصام بين الواقع والمفترض، ثم قد يقرر تغيير الواقع عبر الانخراط في صفوف الجماعات المحرّضة، والتي تستخدم مثل تلك القضايا سُلماً يوصلها إلى السُلطة؟ وهل يمكن القول إن انفراد بلاده بتلك القوانين دوناً عن غالبية الدول العربية والإسلامية، يضيف المزيد من الحطب على غضبه المشتعل؟ للتطرف عوامل كثيرة، فهناك متطرفون حتى في الدول التي تطبق الشريعة، لكن الأرقام التونسية تستحق أن يتأمل فيها دعاة الالتحاق بركب الحضارة الحديثة، والمطالبون بالدولة المدنية الكاملة، والرافضون لمقولة «الخصوصية الثقافية» للمجتمعات، فلربما الاصطدام ببعض الثوابت، يؤدي إلى مفاقمة ميول متطرفة ومنحرفة وعنيفة تكبح قطار الحداثة والتمدّن وتخرجه من السكّة.