خلال جلسات الملتقى الإعلامي الخليجي الثاني بدولة الكويت الأسبوع الماضي، وفي جلسة «مستقبل الإعلامية الخليجية بين الطموح والهموم»، حيث طرحت الإعلاميات الخليجيات وجهات نظر عديدة حول ظروف عملهن، وما يتعرضن له من مضايقات خلال أدائهن لأعمالهن من تعقيدات إدارية ومهنية، الأمر الذي يجعل بعض «المناطق» الإعلامية طاردة للكفاءات «النسوية»، الأمر الذي حدا ببعض المحاضرات إلى نعت الإعلام الخليجي بأنه إعلام «ذكوري». وفي هذا اللقاء واجهتنا الإعلامية البحرينية سوسن الشاعر بأننا -جيل الإعلاميين المخضرمين والأكاديميين- من «أهل الكهف»! وهو تعبير أضحك البعض، وجعلنا نحن الشياب، ننتبه لأمرنا، وهل فعلاً نحن عندما ننادي بتطبيق المهنية الإعلامية نكون من «أهل الكهف»؟ وهل عندما نؤكد ضرورة تدريب الإعلاميات والإعلاميين وإجادتهم العربية السليمة نكون من «أهل الكهف»؟ وهل نحن المخضرمين عندما ندعو للتمسك بالقيم المهنية الفنية من حيث اللقطة التلفزيونية المناسبة، وقيمة الثانية على الهواء في الإذاعة، وحُسن صياغة العناوين، وتأثير الصور في الجريدة نكون من «أهل الكهف»؟ وهل نحن عندما نطالب بنشر قيم الحرية والعدالة والمساواة، وحفظ كرامات البشر من التغوّل و«صبيانية» النشر، الذي يستتر أصحابه وراء أسماء مستعارة، نكون من «أهل الكهف»؟ وعندما نطالب مجلس التعاون بأهمية أن يوصل المعلومات والبيانات للصحفيين بدقة ودون «مواربات» لفظية هل نكون من «أهل الكهف»؟ وهل نحن عندما نقول: إن الإعلام الخليجي لا يواكب النهضة التي تشهدها دول الخليج في جميع المجالات، وإنه «مخطوف» عن خليجيته، نظراً لطغيان المواد الوافدة عليه، ما يشوه الذوق الخليجي، نكون من «أهل الكهف»؟ وهل عندما نؤكد أهمية فتح المجال أمام المرأة كي تعمل في المجال الإعلامي، وتذليل كل العقبات التي تواجهها، نكون من «أهل الكهف»؟ وحين ننادي بعدم «الزجّ» بالشباب الغض أمام المايكروفونات أو الشاشات دون تدريب جاد وتأهيل متقن، هل نكون من «أهل الكهف»؟ وهل عندما نطالب بضرورة تغيّر أشكال وأنماط تحرير وتقديم النشرات الإخبارية، وبعض البرامج «التابوتية» التراثية، التي تعتمد على أسئلة المُعد -مثل طلبة المدرسة الابتدائية- سؤال وجواب، دون حرفية «توليد» الأسئلة من أجوبة الضيف، نكون من «أهل الكهف»؟ وإذا نبّهنا إلى أهمية التفات القائمين على الإعلام -من الرسميين- إلى نتائج بحوثنا ودراساتنا التحليلية، وما توصلنا إليه عبر البحث العلمي، هل نكون من «أهل الكهف»؟! أعتقد أن المصطلح قد أهاننا إلى درجة الإضحاك! لأن بعض الإعلاميين «الجُدد»، وبعض الإعلاميات «الجديدات» ممن لا يحبذن التعب والدراسة، يفترضن هذا الافتراض، وأن أية دعوة للالتزام بالقيم الإعلامية المهنية أو النحوية أو الموضوعية أو أساليب التقديم المقنعة، لا أقول التقليدية «التخشبية»، تُنعت بأنها رجعية و«أهل كهفية»؟ وللأسف، يدور في هذا «الفلك» العديد من الإعلاميين، والإعلاميات المبتدئات اللاتي لا يُردن التعلم، ولا يتقدمن قيد أنملة في تطوير أدائهن وإقناع القارئ أو المستمع أو المشاهد بأدائهن، أو يعززن ثقته بما ينقلنه من أفكار. وللأسف، وبحكم الإظهار «الغبي» للمواطن أو المواطنة في الإعلام الرسمي، ظهرت علينا وجوه قد تصلح لمهن أخرى، ولكن ليس للإذاعة أو التلفزيون، حيث إن لهاتين المهنتين مواصفات محددة وضعها علماء الإعلام عندما اخترعوا الإذاعة والتلفزيون، ولكن بعض الإداريين «غير الإعلاميين» شوّهوا الصورة وزجوا ببعض الأصوات والوجوه التي لا علاقة لها بالإعلام لا من حيث حسن الصوت ولا الثقافة. إنها إشكالية التحول أو التطور! ذلك أن الجيل الإعلامي الجديد وجد نفسه أمام «فوضى إعلامية»، وصار من يدخل الإعلام مثل «الغراب» الذي حاول تقليد مشية الحمامة فنسي مشيته الأولى! نعم هذا الجيل الذي لم يحصل على التدريب الكافي، ولم تتح له فرصة الاطلاع على التجارب العالمية في أوروبا وأميركا، وجد نفسه وسط «لعب» Toys من التقنيات الإعلامية -في مناخ الحاجة والسرعة لتوطين الإعلام، فأقبل دون تأهيل، ودخل الاستديو، ونقل لنا «أحاديث الضحى» بكل ما فيها من خروج على أصول التقديم التلفزيوني، ومهنية الكلمة وشكل تعابير الوجه، تماماً كما اقتحم الشاشة بعض المقدمين الذين لا يعرفون قيمة الاتصال عبر العينين Eye Contact، ولا حسن لفظ العبارات، ولا أصول الانتباه لجميع فئات المجتمع، فظهرت كلمات تحقير- في بعض البرامج- ضد فئات معينة، واستغل بعض المقدمين البرامج في المحطات الرسمية لترويج أنفسهم بصورة تخالف الأعراف الإعلامية! هل نحن الذين نتابع أدوات التواصل الاجتماعي بأشكالها المتعددة، ونُدرّس الإعلام الإلكتروني والنشر الإلكتروني، هل فعلاً نحن نعيش داخل «كهف»؟! إنها قضية قابلة للنقاش، وإن أي بيت ترتفع جدرانه دون الأساس السليم حتماً سيتهاوى! وإن النماذج «الهشة» التي نسمعها ونشاهدها اليوم، وهي تحاول التعويل على «التلقائية» غير المتقنة والبائسة، والخارجة على الأصول الإعلامية، لن تدوم، بطبيعة الحال.