عندما تعتمد أي دولة مفهوم الابتكار والإبداع كأسلوب عمل داخل مؤسساتها الحكومية، وكثقافة وسلوك يومي لأفراد مجتمعها، مثلما تفعل دولة الإمارات العربية المتحدة، الطامحة إلى جعل نفسها واحدة من أكثر دول العالم ابتكاراً بحلول عام 2021، فإن الآلية الأكثر كفاءة في تمكّن هذه الدولة، وهو ما يجري بالطبع على الإمارات، تتمثل في تطوير المنظومة التعليمية الوطنية، وإعادة تأهيلها لتكون أداة لزرع ثقافة الابتكار والإبداع في شخصية أجيال المستقبل، من أطفال وشباب، الذين سيكونون هم قادة المجتمع وحملة راية البناء في المستقبل. ومن هذا المنطلق اعتمد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، مؤخراً، خطة وزارة التربية والتعليم للفترة 2015-2021، وهي خطة تأخذ من الابتكار محوراً وأداةً رئيسية لتطوير التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة، تحقيقاً لـ"رؤية الإمارات 2021"، ومن أجل تحقيق الأهداف المتعلقة ببناء اقتصاد وطني تنافسي، يقوده إماراتيون يتميزون بالإبداع والمعرفة، وأن يكون كل مواطن قادراً على المساهمة في إنماء وطنه، مستغلاً معارفه ومواهبه، متبنياً الإبداع والابتكار كأسلوب حياة ونهج يومي يستخدمه في أداء مهامه ومسؤولياته تجاه مجتمعهم. وتعي دولة الإمارات العربية المتحدة أنه لضمان انخراط أفراد المجتمع في هذه المنظومة فمن الضرورة بمكان أن يكون لدى كل منهم الدافع والمحفز على الابتكار والإبداع، والاندماج بفاعلية في العالم المحيط به، الذي من أهم سماته التطور المعرفي والرقمي السريع، والذي يحتاج إلى توافر قدرات عالية على الابتكار والإبداع لدى الإنسان، ولذلك فإن جهود تطوير التعليم في الدولة تسعى إلى بناء منظومة تعليمية يتوافر فيها شرطان، هما: أن تكون قادرة على إمداد الطلاب بالتعليم الإبداعي والابتكاري، وأن تكون قادرة على خلق الدافع الذاتي لديهم أيضاً باستخدام الإبداع والابتكار كأسلوب حياة. لهذا الأمر تستثمر الإمارات بكثافة في تطوير التعليم، وتنفق عليه ما يزيد على خُمس موازنتها الاتحادية، بخلاف ما تنفقه المؤسسات المعنية بكل إمارة، وتنفق الكثير على أنشطة البحث العلمي وتطوير البنى التحتية والتكنولوجية والمعرفية للمجتمع أيضاً، وهي قطاعات ذات دور لا يمكن فصله عن دور قطاع التعليم، بشقيه الأساسي والجامعي. ومن أجل زرع ثقافة الإبداع لدى الطلاب بشكل خاص، ولدى مختلف شرائح المجتمع بشكل عام، يمكن قراءة خطة وزارة التربية والتعليم المعتمدة مؤخراً باعتبارها خطوة مهمة في هذا الاتجاه، فهي من شأنها أن تحقق المزيد من التطوير في الأطر التشريعية والتنفيذية المنظمة لقطاع التعليم ليكون متوافقاً مع معايير التعليم في العصر الحديث، كما أنها ستعمل على دفع الطلاب بمن فيهم من أطفال وشباب إلى ممارسة الابتكار والإبداع، عبر مناهج متطورة تساعدهم على ذلك. تعتبر خطة وزارة التربية والتعليم أحد أهم آليات تطبيق "الاستراتيجية الوطنية للابتكار"، التي أطلقتها الدولة مؤخراً، والتي تتبنى الابتكار كأولوية وطنية للتقدم، عبر العمل على محاور عدة أساسية، وهي: إرساء بيئة محفزة للابتكار، وتطوير الابتكار في العمل الحكومي، ودفع القطاع الخاص نحو مزيد من الابتكار، وبناء أفراد يمتلكون مهارات عالية في الابتكار. من كل ذلك، يمكن القول إن دولة الإمارات العربية المتحدة تسعى إلى إيجاد البيئة اللازمة لإطلاق الطاقات الإبداعية والابتكارية لدى جميع مكونات المجتمع من دون استثناء، كأداة لبناء المستقبل المزدهر الذي ينعم فيه الجميع بحياة كريمة ويسهمون فيه في مسيرة التقدم والتطور الإنساني. ـ ـ ــ ــ ـ ـ ــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.