على مدى الأعوام التسعة الماضية، تحول المنتدى السنوي لصحيفتنا الغراء «الاتحاد» إلى تظاهرة ثقافية مهمة، تجمعنا كزملاء كُتاب وباحثين ومتخصصين في شتى المجالات والمناطق الإقليمية، للّقاء والاجتماع وتوثيق عرى التعارف والزمالة والصداقة. وعلى حد علمي لا توجد صحيفة في عالمنا العربي انتهجت هذا التقليد الراقي في جمع كتابها بمختلف خلفياتهم وإيديولوجياتهم وأفكارهم. وبذلك تنفرد وتتميز الصحيفة فيما تقوم به. ومن اللافت تنوع وعمق وأهمية المواضيع التي تطرح وتكون فكرة رئيسية تقدم عنها أوراق وتعقيبات ومداخلات في كل منتدى.. فمن مناقشة دور دول الجوار العربي، إلى موضوع الدولة الوطنية في العالم العربي، إلى موضوع الساعة وحديث الأمة اليوم «الإرهاب من جديد» الذي كان موضوع منتدى هذا العام في المنتدى الذي عقد بالعاصمة أبوظبي خلال يومي 21 و22 أكتوبر 2014. وقد أثرى هذا المنتدى كتاب «الاتحاد» من موريتانيا إلى الكويت وكذلك بعض كتاب عرب المهجر.. كما واكبه حدث سعيد بأن رأينا «الاتحاد» في ذكرى انطلاقتها الخامسة والأربعين في حلتها الجديدة، وقد غيرت لون اسم الاتحاد» من الأزرق الذي اعتدنا عليه إلى اللون الأحمر.. لأنه - كما فهمت من رئيس التحرير الأخ محمد الحمادي- هو لون الإمارات، كما أن الأزرق لون الكويت، والأخضر لون السعودية، والأحمر لون البحرين وعمان، والعنابي لون قطر. وكان منتدى الاتحاد التاسع هذا العام عن الإرهاب وهو موضوع الساعة، وقد تمت مناقشته في خمس جلسات على مدى يومين بأوراق بعضها كان أقرب إلى الأوراق العلمية، وبعض آخر أقرب إلى التحليل الصحفي والإعلامي. ولكن في مجملها كانت أوراقاً رصينة ومهمة وعالجت ظاهرة الإرهاب والتطرف من جميع جوانبها. وقد فرض تفاقم خطر «داعش» نفسه بقوة، وأنا من الداعين إلى وجوب رفض إطلاق وإسباغ صفة «إسلامية» على «داعش» وتسميتها باسمها الرسمي. فإذا كان الرئيس الأميركي ورئيس وزراء بريطانيا وحتى وزيرة داخلية بريطانيا يرفضون أن يقترن باسم «داعش» مفهوم «الدولة» أو ربطها بالإسلام، كما قال أوباما لأن «داعش» ليس دولة ولا تعترف بها أي دولة في العالم. وليست إسلامية لأن ما تقوم به يناقض الإسلام، فحريٌّ بنا كعرب ومسلمين، وقد قتلت منا «داعش» أكثر مما قتلت من غير المسلمين، ألا ننساق ونقرن التنظيم بالإسلام. لأن ما يقوم به من جرائم وتجاوزات واعتداءات كلها لا صلة لها بالإسلام. وكل ذلك يسيء إلى صورة الإسلام ومعانيه ورسالته، ويكرس الصورة المقلوبة السلبية التي يروج لها أعداء الإسلام أنفسهم بأنه دين الإرهاب والقتل والاعتداء. وقد قدمت ورقة في المنتدى هذا العام في الجلسة الثالثة عن «خطر الإرهاب على النظام العربي»، وناقشت في ورقتي خطورة ما يمثله الإرهاب من تهديد أمني على الدول والمجتمعات، وأبرزتُ حصاد الفشل بعد أكثر من عقد في مواجهة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001، وما استتبع ذلك من تحول أميركا بقيادة بوش الابن إلى محاربة الإرهاب، خلال عقد كامل، وقد ورث الرئيس أوباما تلك الحرب الدولية ضد جماعات العنف والتطرف، إضافة إلى حربي أفغانستان والعراق. ولهذا انتقدت الولايات المتحدة التي خرجت من حربين -في العراق وأفغانستان- دون تحقيق انتصار واضح، بل على العكس يرى البعض أنها قد خسرت الحربين لأنها تركت العراق في وضع صعب كدولة مفككة ومقسمة تنخرها الطائفية والمحاصصة، وتدور في الفلك الإيراني. ونتيجة لذلك تحتل «داعش» الآن ثلث أراضي العراق، وكذلك ثلث أراضي سوريا، وتقاتل ثلاثة جيوش عربية في آن واحد ومعها الحرس الثوري الإيراني والبشمركة الكردية والمعارضة السورية! والراهن أن تفاقم خطر تنظيم «داعش» وتمدده لا يجعل العراق وسوريا اليوم فقط ضمن ما يُسمى في أدبيات العلوم السياسية المعاصرة بـ«الدول الهشة»، بل يُضعف ويوهن أيضاً النظام العربي المثخن والمترهل، بصفة عامة. ويأتي هذا على هامش فشل «الربيع العربي» وتداعياته الكارثية على الأمن والاستقرار في الدول التي عصفت بها رياحه، حيث حلت الفوضى وغياب الأمن وسقوط الدول المركزية بقدراتها ومؤسساتها وبتكلفة وبتداعيات عالية. وهذا ما نراه اليوم في سوريا والعراق، وكذلك في اليمن وليبيا، وحتى في بعض الدول المجاورة لدول «الربيع العربي»، حيث ارتفع منسوب عدم الاستقرار والخشية من تداعيات ذلك على أمنها. كما هو الحال اليوم في لبنان، الحلقة الأضعف في الجوار السوري. وما يجري في ليبيا يهدد أيضاً أمن مصر والجزائر. وبالتالي ترتفع فاتورة وتكلفة مواجهة الإرهاب لتوهن وتضعف النظام العربي برمته الذي أصبح في الواقع «إقليماً بلا نظام»!