يستطيع مسؤولو الأمن والجيش الأميركيون أن ينسفوا كل شيء بلوحة مفاتيح وفأرة كمبيوتر. وفعلوا ذلك. بل إن البعض يقول إنهم وراء الهجوم الرقمي لدودة «ستوكسنت» التي دمرت آلافاً من أجهزة الطرد المركزي في منشآة لتخصيب اليورانيوم في إيران. وقبل عامين دمر هجوم مصدره إيران 30 ألف كمبيوتر في شركة «أرامكو» السعودية، والإيرانيون ليسوا ببراعة الروس والصينيين في هذا النوع من الحروب. وهذا يعني، بمعنى ما، أن الأسلحة وأجهزة التجسس أخذت شكلاً رقمياً. ويمكن تعطيل أو تدمير أي جهاز متصل بشبكة إلكترونية بإصدار أوامر على هذه الشبكة. وهذا ينطبق على قاذفات الصواريخ وتحويل خطوط السكة الحديدية وأدوات التصنيع أو أي آلة أخرى. وإذا استطاع المرء أن يخترق شبكة لسرقة معلومات منها يمكنه أن يخترقها كي يفسدها أو يعطلها أيضاً. وأمن المعلومات الذي يتمثل في حماية البيانات يتضافر مع أمن العمليات الذي يضمن سير العمل. ولا تستطيع الشركات ولا الحكومات حماية شبكاتها بشكل مطلق. فلم يُبن الإنترنت أساساً من أجل الأمن ولكننا جعلنا منه عماد كل عمليات الحكومات والقطاع الخاص وأيضاً الاتصالات الشخصية. والتواصل الشامل حقق مكاسب هائلة في الإنتاج والراحة ولكنه خلق أيضاً نقاط ضعف هائلة كذلك. وشاعت السرقات الهائلة للبيانات الشخصية وإيقاع السرقات الرقمية للملكية الفكرية واختراق عمليات البنية التحتية بشكل مرعب. وقد انتشرت تقارير عن عمليات الاختراق الصينية لشبكات في قيادة النقل للجيش الأميركي وكل خبير أعرفه يعتقد أن شبكتنا للكهرباء اخترقتها روسيا والصين. ويزعم جيشنا، في أميركا، محقاً أن عمليات الاختراق هذه قد تسمح بهجمات وعمليات تعطيل أخرى في المستقبل. وهذا جعل «البنتاجون» يعلن الأسبوع الماضي المضي قدماً في بناء شبكاته للطاقة في القواعد عبر البلاد. والبنتاجون يعلم أنه في أوقات الصراعات والأزمات لا يستطيع الثقة في شبكات الطاقة العمومية. والحرب الرقمية ليست خيالاً علمياً لعقول محمومة. وإنما هي ملمح من ملامح العمليات العسكرية كما رأينا في حرب الخليج عام 1991 وفي العمليات الروسية ضد جورجيا وغيرها. وما دام أن الولايات المتحدة ما زالت تمثل قوة عسكرية هائلة فهناك احتمالات كثيرة لوقوع هجوم رقمي استراتيجي ضد الولايات المتحدة. وعواقب مثل هذه الهجمات لن يكون التنبؤ بها واحتواؤها صعباً فحسب ولكن قد تتضمن أيضاً انتقاماً بشكل عسكري. ولكن صور الظلام والانفجارات على رغم أنها تلقي الضوء على المخاطر الحقيقية إلا أنها لا تصيب واقع طبيعة العمليات الرقمية التي تحاك ضد الولايات المتحدة. وتراهن الصين دوماً على الفوز دون قتال. وهذا يعني في المجال الرقمي أن تجعلنا لا نثق في اتصالاتنا وبنيتنا التحتية ومراكز قيادتنا وتحكمنا. ومن خلال الجمع بين عدم اليقين واستخدام القوة فعلاً أو التهديد بها يكون الهدف دفع الخصم، وهو نحن، لإنهاء المواجهة بناء على بنود غير مشرفة. ويشير الهجوم الرقمي في الآونة الأخيرة على بنك «جيه. بي. مورجان تشيس» وتسع مؤسسات مالية أخرى أن الروس ربما تعلموا هذا الدرس المهم بشكل خاص للخصوم الأضعف في الصراعات غير المتكافئة. فهناك أدلة على أن الهجوم مصدره روسيا. ولكن عشية الهجوم نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنه «لا أحد يستطيع إخبار الرئيس بأكثر شيء يريد معرفته وهو ما هو الدافع؟» وذكر تقرير أن مسؤولاً كبيراً لم يُنشر اسمه قال: «السؤال مازال يتردد: هل هذه سرقة قديمة ببساطة أم أن بوتين ينتقم». فالرئيس بوتين يفكر في الرئيس أوباما. وهذه هي المنطقة الرمادية بين الحرب والسلام. وباسم السهولة وتحقيق الكفاءة، لا يرغب عادة أصحاب الأعمال في القطاع الخاص ومقدمو خدمات البنية التحتية الحيوية في ضخ استثمارات كبيرة لحماية الأنظمة التي تحرك عالمنا. ولا أحد يرغب في فصل هذه الأنظمة عن الإنترنت وهو ما قد يقويها بالفعل. ويرفض الكونجرس اتخاذ إجراء. وبينما قد يكون من التسرع استنتاج أن روسيا أو الصين تنوي شن حرب على الولايات المتحدة، لكن النوايا قد تتحول في لحظة بينما بناء القدرات يستغرق وقتاً. وأي بلد يعتمد على النوايا الطيبة لخصم محتمل وليس على قدراته هو بلد غير قادر نفسياً وعملياً على حماية نفسه. وهذا شأننا في الوقت الحالي بالنظر إلى جانب كبير من طبيعة التحتية الحيوية، والويل لنا إذا لم نغيرها. ـ ـ ـ ــ جويل برينر مفتش عام سابق ومستشار لوكالة الأمن الوطني الأميركية ------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»