في 24 مايو الماضي اقتحم رجلٌ المتحفَ اليهودي في بروكسل وأطلق النار على المرتادين، موقعاً أربعة قتلى، لكن دلالات الهجوم كانت أكثر من مجرد إطلاق للنار بإحدى المدن الغربية، فمقترف الجريمة هو مواطن فرنسي أمضى السنة السابقة مقاتلاً في سوريا، وكان هجومه أحد الملامح الأولى للتداعيات المحتملة لما يجري في الشرق الأوسط من صراعات وحروب. بيد أن المشكلة التي تقض مضاجع المسؤولين الأمنيين هي وجود مئات الأوروبيين يخوضون حربهم الخاصة إلى جانب التنظيمات المتطرفة في العراق وسوريا. فعلى الرغم من أن الأغلبية الساحقة من المقاتلين الأجانب الذين يشاركون في معارك شرسة بسوريا جاؤوا من العالم العربي، إلا أن أعداداً متزايدة من مسلمي أوروبا البالغ عددهم نحو 16 مليون نسمة، ومن مسلمي أميركا الذين يصلون إلى مليوني نسمة توافدوا على سوريا للمشاركة في القتال، ولعل الفظائع التي ترتكب هناك ومآسي اللاجئين، فضلاً عن قمع النظام في دمشق، كلها ساهمت في تجنيد الشباب المسلم بالدول الغربية ودفعهم للسفر وحمل السلاح. هذا الواقع جعل العديد من الأمنيين يراقبون بتوجس كبير. ومن أبرز هؤلاء المسؤولين الأمنيين جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية الذي حذّر في مايو الماضي من «تشكل مجموعة من الشباب المسلم القادم من الغرب في سوريا، ونحن حريصون ألا يقود ذلك إلى 11 سبتمبر جديدة في المستقبل». ويعتمد المراقبون في تبرير مخاوفهم تلك على تجربتهم الماضية في الثمانينيات مع المجاهدين الأفغان الذين عادوا إلى دولهم في الشرق الأوسط وخططوا لاحقاً للهجمات الإرهابية التي استهدفت أميركا في 11 سبتمبر وأطلقت الحرب الأميركية على الإرهاب. بل إن الخطر الحالي الذي يمثله المقاتلون الغربيون في سوريا والعراق أفدح مما كان يمثله المجاهدون الأفغان، حيث تشير الأرقام والإحصاءات إلى وجود ما بين 2500 و3000 مقاتل من الدول الغربية يحاربون في بؤر التوتر بالشرق الأوسط. لكن، وفيما يظل خطر المقاتلين الغربيين في سوريا والعراق، حقيقياً وداهماً، هناك في المقابل قدر من المبالغة في تقدير خطورة التهديد، لاسيما وأنه بانتهاج السياسات السليمة يمكن تطويق التهديد وكبحه. فقد أثيرت مخاوف مشابهة خلال الغزو الأميركي للعراق عام 2003، بعد أن اعتقد البعض أن الانتقام سيكون مؤلماً وسيطال المدن الغربية، إلا أنها ظلت مجرد توجسات دون أن ترى النور. هذا فضلا عن أن القدر سيتولى أمر بعض هؤلاء المتطرفين الذين إما سيقتلون في المعارك أو سيفجرون أنفسهم بأحزمة ناسفة ضد خصومهم. ولعل الأهم من ذلك أن التنظيمات الإرهابية الحالية، مثل «داعش» وغيرها، لم تعلن أن حربها تستهدف الغرب، بل كانت لديها أجندة داخلية تسعى من خلالها لتثبيت أراكنها في بعض المناطق السورية والعراقية، وضرب الأنظمة الإقليمية التي تراها منافقة من الناحية الدينية! ولأن هذه العقبات سترافقها سياسات أمنية مشددة في الغرب ورصداً دقيقاً للعائدين من ميادين القتال، فإن فرص التصدي لخطر الإرهاب القادم من الشرق الأوسط تبقى معقولة وفي المتناول. دانيال باميان * جيريمي شابيرو ـ ـ ـ * أستاذ الدراسات الدبلوماسية بجامعة جورج تاون الأميركية * باحث بمركز بروكينجز ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»