جددت الهجمات الإرهابية البشعة التي استهدفت الجيش المصري في سيناء الأسبوع الماضي وأوقعت عشرات الشهداء والجرحى في صفوف أبنائه مخاوف كثيرين من انزلاق مصر إلى معركة طويلة وصعبة مع قوى التطرف والإرهاب التي تسعى لتهديد أمنها واستقرارها. وهذه المخاوف قد يكون لها ما يبررها وخاصة أن مصر تقع في منطقة تحيط بها البؤر النشطة للقوى الظلامية، فهناك في الغرب تنشط تنظيمات تكفيرية وإرهابية في ليبيا، وقد أعلنت بعض هذه التنظيمات مؤخراً مبايعتها لتنظيم «داعش»، مثل تنظيم «أنصار الشريعة» و«كتيبة شهداء بوسليم»، و«الجيش الإسلامي»، ولم تخف هذه التنظيمات المتطرفة مواقفها العدائية تجاه الحكومة المصرية التي تتهمها بإعاقة مشروعها لإقامة «إمارة إسلامية» في ليبيا. وهناك في شبه جزيرة سيناء في الشمال الشرقي للبلاد تنشط تنظيمات مشابهه مثل تنظيم «أنصار بيت المقدس» الذي أعلن مسؤوليته عن أعمال إرهابية عدة متتابعة في مصر. وهناك في قلب الدولة المصرية التهديد الذي يمثله تنظيم «الإخوان المسلمين»، والذي بدأ ينشط مجدداً عبر مظاهرات وتحركات طلابية داخل الجامعات والمعاهد المصرية، والعمليات الإرهابية التي نفذتها بعض المجموعات التابعة للجماعة والتنظيمات الأخرى السلفية والجهادية المتعاطفة معها للانتقام من الدولة المصرية بعد إطاحة الجماعة من الحكم. ورغم كل هذه المخاطر والتحديات، فإن ما يبعث على التفاؤل والثقة بقدرة مصر على التصدي للمخططات التخريبية والإرهابية التي تستهدفها، هو إدراك القيادة المصرية الجديدة لحجم هذه المخاطر، وامتلاكها الإرادة السياسية والعزيمة الصلبة لمواجهتها، على نحو ما عكسته مواقف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بعد الهجمات الأخيرة التي استهدفت الجنود المصريين في سيناء، حيث أعلن بوضوح أن المعركة ضد الإرهاب في سيناء طويلة وممتدة ولن تنتهي قريباً، وأن هذه الإعمال الإرهابية لن تزيد مصر إلا إصراراً على اقتلاع جذور الإرهاب. ويزيد من هذا التفاؤل اصطفاف الشعب المصري بكل فئاته وطوائفه خلف حكومته في هذه المواجهة المصيرية مع قوى التطرف والإرهاب، والذي تجلى بوضوح عقب العملية الإرهابية الأخيرة، وهو موقف ليس بجديد على هذا الشعب الذي خرجت جموعه بالملايين لإسقاط حكومة «الإخوان المسلمين» عندما شعروا بأن استمرارها في الحكم سيهدد أمن مصر واستقرارها ونسيجها الوطني، كما أن وقوف العديد من القوى الإقليمية، وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مع مصر في هذه المواجهة الحاسمة للإرهاب، سيعزز بالضرورة من قدرتها على التصدي لهذه التنظيمات الإرهابية. تدرك التنظيمات الإرهابية ومن يقف خلفها من قوى إقليمية ودولية أن استقرار مصر يعزز استقرار المنطقة كلها، وأن اختراق أمنها وتهديد استقرارها من شأنه أن يضع المنطقة العربية برمتها في طريق الفوضى غير الخلاقة التي تستطيع هذه التنظيمات استغلالها لتحقيق مخططاتها الخبيثة وتحقيق أحلامها المريضة في إقامة «إمارة إسلامية» تضمن لها السيطرة على البلاد والعباد، مثلما تفعل «داعش» في العراق وسوريا الآن. فالأيديولوجية التي يتبعها تنظيم «داعش» والاستراتيجيات والأفكار التي يروِّج لها هي نفسها التي تؤمن بها الجماعات الجهادية الأخرى وستعمل على تطبيقها على الأرض إذا أتيحت لها الفرصة. لكن مصر، بجيشها العظيم وشعبها الواعي ودعم أشقائها القوي في أبوظبي والرياض وغيرهما من العواصم الخليجية والعربية، أظهرت منعة ضد هذه المخططات، وأكدت أنها عصية على أي محاولة لاختراق أمنها أو تهديد استقرارها، واستطاعت في الفترة الأخيرة تحقيق العديد من النجاحات والإنجازات المهمة، سواء في استعادة الاستقرار الأمني للشارع المصري ومواجهة العناصر والتنظيمات الإرهابية، حيث تمت تصفية المئات من الإرهابيين في سيناء وغيرها من المدن المصرية، أو في استعادة مسيرتها التنموية عبر تنفيذ العديد من المشروعات القومية العملاقة وتطبيق الخطط الإصلاحية الاقتصادية التي نالت رضا الخارج والداخل على السواء. ولعل أكثر ما يلفت النظر في المواجهة المصرية للإرهاب هو ضعف الدعم الدولي الذي تتلقاه مصر في مواجهتها هذه، فباستثناء عبارات الشجب والتنديد التي أعلنتها بعض القوى الدولية، لاسيما الولايات المتحدة، بعد جريمة قتل الجنود المصريين في سيناء، فإن القاهرة لم تتلق أي دعم حقيقي من المجتمع الدولي في هذه المواجهة، وهو ما يثير التساؤل: هل ينتظر المجتمع الدولي حتى تقوى شوكة التنظيمات الإرهابية في سيناء وغيرها من المناطق ليتحرك ويقدم الدعم الصريح والقوي للدولة المصرية؟! لم تنتظر القاهرة دعماً خارجياً للتحرك ضد الإرهاب والحفاظ على أمنها القومي، فقد قررت التحرك بالفعل منذ فترة، وقطعت خطوات مهمة في هذا الطريق، وحققت نجاحات مشهودة، وهي تدرك أن معركتها طويلة وممتدة وقد تتضمن خسائر مالية وبشرية، لكنها مصرة على المضي قدماً في هذه المعركة لنهايتها، فحماية الأوطان وتحقيق رفعتها وتقدمها ليس أمراً سهل المنال وهو يستحق دفع الغالي والنفيس في سبيله.