في تقرير «سهولة ممارسة أنشطة الأعمال» لعام 2015، الصادر حديثاً عن «البنك الدولي»، تمكنت دولة الإمارات العربية المتحدة من تحقيق إنجاز على قدر كبير من الأهمية، حيث تقدمت إلى المرتبة الثانية والعشرين عالمياً في مؤشر «سهولة ممارسة الأعمال»، بعد أن كانت تحتل المرتبة الخامسة والعشرين في تصنيف العام الماضي، وقد أهّلها هذا التقدم للتربع على قمة ترتيب دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والانضمام إلى قائمة الاقتصادات العشرة الأكثر تحسيناً لمناخها الاستثماري في العالم. ما شهدته المنطقة من صعوبات سياسية وأمنية خلال الاثنى عشر شهراً الماضية، قلّص من قدرات حكوماتها على إجراء الإصلاحات اللازمة في بيئة ممارسة الأعمال لديها، وهو ما أكده تقرير «البنك الدولي»، بقوله: «إن الإصلاحات في المنطقة كانت قاصرة، ولم تشهد العديد من الجوانب أي إصلاح، مثل إنفاذ العقود وتسوية حالات الإعسار». لكن رغم ذلك فقد برز النموذج الإماراتي ليضرب مثلاً على أن كل هذه التحديات لا تمثل شيئاً إذا جوبهت بإرادة صلبة وعزيمة قوية ورغبة حقيقية في الإصلاح، وهو ما فعلته الإمارات التي أجرت العديد من التعديلات في أطرها التشريعية والتنفيذية ذات العلاقة بمناخ الأعمال، فتمكنت من تحسين الفعالية والكفاءة الإدارية لمكاتب تسجيل الأراضي، وحسّنت فرص الحصول على معلومات الائتمان، وعززت جهود حماية حقوق المستثمرين من أصحاب حصص الأقلية، هذا إلى جانب إجراءات ذات أهمية كبيرة فيما يتعلق بالتعاملات في أسواق المال المحلية، من قبيل زيادة متطلبات الإفصاح عن تلك التعاملات. ووسط الاضطرابات السياسية والأمنية التي تعيشها المنطقة منذ فترة، وازدادت حدتها خلال الاثنى عشر شهراً الماضية، وكان لها انعكاس واسع على مناخ الأعمال في معظم دول المنطقة، فإن ما حققته الإمارات من تقدم في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال يؤكد أمرين مهمين: أولهما، أن الإمارات ماضية في طريقها نحو التحول إلى مركز عالمي للأعمال والتجارة، لا يثنيها عن ذلك أي من الصعوبات أو التحديات، وأياً ما كانت طبيعة ومصدر هذه الصعوبات أو التحديات، سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية، أو كانت إقليمية أم عالمية. ثانيهما، أن ما تمتلكه الإمارات من قدرات تنافسية وميزات نسبية في العديد من المجالات، يفوق في قوته وأثره الإيجابي الصعوبات والتحديات التي تواجهها، خصوصاً أن القدرات التنافسية والميزات النسبية تختلط بطموح غير محدود لدى القيادة الرشيدة للدولة، ولدى أبناء هذا الوطن، الذين يسعون إلى وضع اسم بلدهم بين أفضل دول العالم في مؤشرات التنافسية، وفي مؤشرات التنمية الشاملة والمستدامة بشكل عام. وتزداد الإصلاحات التي أدخلتها الإمارات على مناخها الاستثماري أهمية وبروزاً إذا وضعت في سياقها العالمي، إذ تأتي في وقت يعيش فيه العالم صعوبات اقتصادية يصل مداها إلى تباطؤ معدلات النمو العالمي والتعثر المالي للعديد من الاقتصادات الكبرى، بالإضافة إلى تنامي مستويات الضبابية بشأن قدرات الاقتصادات الناشئة على الاستمرار في النمو، وهي جميعها معطيات تدفع المستثمرين إلى الإعراض عن الدخول في مشروعات جديدة في أي منطقة من العالم. لكن وسط هذه الظروف يأتي النموذج الإماراتي ليؤكد أنه نموذج يعمل بنهج غير تقليدي، قادر على تحويل التحديات إلى فرص، بما يمكّنه من الصمود، بل والتقدم إلى الأمام، بالاعتماد على أسسه وقواعده المتينة. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية