عنوان مقتبس بالطبع من المسلسل العربي الذي شاهدنا الإعلانات التي أمطرتنا بها الفضائيات العربية قبل شهر رمضان المبارك، والذي أعلن توقف عرضه بعد حلقاته الأولى لأسباب لا تدخل في نطاق اهتمامنا. أما الفلوجة فقد اتخذتها مسرحية كويتية عنواناً لإحدى مسرحياتها التي قرر عرضها أيام عيد الفطر المبارك. ومن "كويتي في الفلوجة" إلى "حب في الفلوجة" تغير العنوان، فالعنوان في صيغتيه مثير للريبة. أما طريقنا إلى الفلوجة في هذا المقال فالمقصود به أزمة اجتياح الفلوجة التي صورتها الولايات المتحدة على أنها آخر الدواء لينعم العراق بتحقق الأمن والأمان، فكان الكي خياراً وحيداً كما تصوره التصريحات الأميركية ومعها الحكومة العراقية المؤقتة.
الطريق الأميركي للفلوجة أميركياً غدا ميسراً أكثر بعد الانتخابات الأميركية وحصول الرئيس على تفويض شعبي رغم الفشل الأميركي الواضح في العراق، فكان هجوم الفلوجة. لكن التعتيم الإعلامي الذي تمارسه واشنطن على حقيقة ما يجري في المثلث السني ستضر بصورة الولايات المتحدة المشوهة أصلاً. فـ"الحرب على الإرهاب" رسمت أضلاع مثلث عراقي يبدأ بالفلوجة فالرمادي وبعقوبة. فذريعة وجود شبح "الزرقاوي" في الفلوجة لا تبرر تدمير المدينة لتنظيفها من "المقاومة" أو "الإرهاب". والعمليات العسكرية المعتمدة على القوات الأميركية والعراقية إضافة إلى الأسلحة والمعدات العسكرية الثقيلة المستخدمة في القتال سيكون له ثمن من الدماء العراقية "الرخيصة". والاجتياح اقتباس صريح واستنساخ للطرق الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن على أرض العراق، ولاشك بأن الجهل الأميركي المتعمد بجغرافية العراق المذهبية قد يوقع العراق في حرب سنية- شيعية بدأت بوادرها وهي مرشحة للتفاقم إن لم يتم احتواؤها.
أما الطريق العراقي للفلوجة فقد حمل خطأ عنونة الهجوم على الفلوجة بالانتخابات العراقية القادمة، وسيقطع طريق الفلوجة الطريق على الانتخابات العراقية حتى لو تمت في موعدها. فالانتخابات وسيلة لا غاية في حد ذاتها. مشكلة رئيس الوزراء علاوي أخطر من مشكلة الرئيس بوش، فالسيارات المفخخة والرؤوس المقطوعة وعمليات الخطف، أضاعت طرق علاوي وفي ظل معادلة صفرية بين حكومة علاوي و"المقاومة العراقية" فالتفاوض مع "المقاومة الوطنية" في العراق يتطلب أن تحمل هذه المقاومة وجوهاً. وعدا عن وجه الزرقاوي لم نسمع أو نرَ وجهاً يمكن التفاوض معه.، فكان إعلان الاجتياح خياراً مؤجلاً لرئيس الوزراء العراقي اختار أسوأ الأوقات لتنفيذه، وهو الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك. نعم هناك مشكلة في توقيت الاجتياح كان ولابد أن يراعيها رئيس الوزراء العراقي، فإن كان قطاع الطرق لا يراعون حرمة فالأولى أن ينتزع علاوي أحد أخطر أسلحتهم وهو الخطاب الديني وتلبيس الإجرام بلباس ديني تحت شعار الجهاد. ولعل المبكي في مأساة الفلوجة وضع العسكريين العراقيين الممزقين بين أداء واجب أقسموا عليه وبين معرفتهم أنهم يستهدفون من جملة المستهدفين إخوانهم العراقيين، فأي طريق هذا؟
سيفتح هجوم الفلوجة طريق الجماعات الإسلامية المتشددة وسيدفع الجماعات المعتدلة للتشدد في خطابها، وسيشكل أداة لاستقطاب المزيد من الغاضبين لدينهم ولعروبتهم. فالتقارير تتحدث عن تدفق المزيد من العرب إلى العراق من دول عدة وغالباً ما ينتهي هؤلاء إلى المدن السنية في المثلث السني المتمرد، مما سيخلق بدوره المزيد من الضغوط على الحكومات العربية والخليجية وخاصة تلك التي يقاتل شبابها ضد القوات الأميركية في العراق. وسيخلق حالة من عدم الاستقرار وخاصة أن صور القتلى والتقارير الإخبارية المملوءة بالدم العراقي تستدعي المزيد من الدعوات بالتضرع إلى الله من حناجر خطباء المساجد لـ"هزيمة أعداء الدين" ونصرة الإسلام والمسلمين في فلسطين و... و"الفلوجة"، ومن بعد كابول سيفتح الطريق إلى الفلوجة.
تنظيف المدن العراقية والبحث عن "إرهابيين" أجانب يقطنون بيوت الفلوجة يحاربون من مساجدها، ويختبئون في مستشفياتها لتحقيق استقرار العراق وأمنه عنوان يحمل أكثر من إشكالية، وستبقى الفلوجة أزمة لن تمر بسهولة حتى لو سيطرت القوات الأميركية على كامل المدينة. فالمطلوب عربياً ودولياً وقبل ذلك عراقياً ليس رأس "أبومصعب الزرقاوي" فقط، ولكن تحقيق الأمن الموعود. الأوضاع العراقية لا تحمل بارقة أمل، فسواء كان هذا الهجوم في المثلث السني أم الجنوب الشيعي فيعز علينا كمسلمين رؤية الدماء العراقية تستباح باسم الوطن أو باسم الإسلام.