في عام 2000 أذاعت قناة الجزيرة فيلماً وثائقياً عن «القاعدة»، ومن يتذكر بعض الأناشيد التي كانت في خلفية مشاهد ذلك الفيلم الشهير الذي تضمن لقاء مع أسامة بن لادن، فإن أذنه قد التقطت ذلك النشيد بكلماته النجدية الواضحة: «يا نجمة الصبح ياللي.. مشو عليك النشاما... شمس الخلافة مطلي.. يهدم سواد الظلاما»، هذه الكلمات ولدت في زنازين سجن الحائر جنوب الرياض في العام 1992، واثنان ممن ساهموا في كتابته ليالي السمر في أجنحة السجن هما اليوم من نجوم الصحافة السعودية، واحد ممن كان مغرماً بهذا النشيد يلهج به كلما أخذته حميا الجهاد، لقي حتفه في أحداث الرياض 2003، في مواجهة أمنية. هذا النشيد وكلماته مثل تحولاً في النشيد الإسلامي الحديث، فقد كان دعوة لإقامة دولة «الخلافة»، مفعماً بالسخط والتوجع والوعيد للطغاة. كانت كلماته والروح التي اكتسته تعبر عن تيار جهادي صاعد في قلب الجزيرة العربية، الذي كانت صلته بالسلفية الجهادية اليمنية أكثر منه بسلفية بلاد الشام أو بالجهادية السلفية المصرية، كما أنه كان ذا صبغة بدوية تميل أكثر إلى التعرب أكثر منها إلى طباع وعادات وسلوكيات وطريقة عيش الحاضرة وأبناء المدينة من أبناء الصحوة أو حتى من السلفية الوهابية التقليدية. إذن فقد كانت تدشيناً لموجة جديدة من الأناشيد والقصائد التي كانت على خطى الشعر المحكي باللغة الشعبية الدارجة. ولأن هذا النشيد الغريب الأسيف كان يعبر عن آمال ولبانات جيل من الجهاديين من أبناء الجزيرة فقد نقلوه معهم إلى أفغانستان والشيشان وغيرهما نهاية التسعينيات الماضية. في عام 2003 نشرت «القاعدة» في السعودية على الإنترنت مقطعاً لزفة أحد المفجرين قبل قيامه بعمليته، كان النشيد الذي يردده أولئك الملثمون من أبناء الجزيرة من سعوديين ويمنيين، استمراراً لتلك الموجة. من الملفت أن الجهادية السلفية في السعودية كانت كما أشرت تنحو نحو أخلاق البداوة أكثر منها لأبناء الحضر، وهذا يعود إلى الألق والتأثير الطاغي لجهيمان العتيبي الذي قاد المحتلين للمسجد الحرام. في عام 1994 قابلت أحد الأشراف من أهالي مكة وقد ألقي القبض عليه لاحقاً لتورطه في السعي لتأسيس أول تنظيم جهادي في السعودية، وليس غريباً أنه كان أقرب إلى أخلاق البداوة منه إلى الحضارة. غير أن النشيد الإسلامي -والجهادي منه على الخصوص- بالفصحى كان هو أكثر رواجاً بين الجهاديين في العالم العربي وفي الخليج والسعودية، لسهولة فهمه ووضوح معانيه. ولهذا فإن الأناشيد الإسلامية التي عاشت عصر ازدهارها في السعودية والخليج منذ منتصف الثمانينيات حتى 1992، كانت تعتمد اللغة الفصحى أساساً. يمكن القول إن الفاصل بين الاثنين أي بين النشيد الإسلامي الذي كان يعبر عن كل ألوان الحركة الإسلامية وبين الجهادية في الجزيرة العربية كان اللغة المعبر بها. كان هذا لفترة هو ما يميز بينهما، إضافة إلى أن النشيد الإسلامي الحديث الفصيح كان يلقى من الدعم والتطور والتقنية الحديثة والإخراج، ما لم يتح لنظيره، لأسباب تعود إلى الخلفية الاجتماعية والمؤسسات التي كانت مستعدة للدعم والبذل والاستثمار، فرواد الشعر الإسلامي الحديث كان غالبيتهم من «الإخوان المسلمين»، ولهذا كانت أناشيد «حداء ونداء»، وسلسلة «أناشيد الدمام» التي اكتسحت الساحة الصحوية فترة صعود الإسلامية الحركية في بداية تسعينيات القرن الماضي، كانت بمنشدين ومنتجين ينتمون إلى «الإخوان»، ومحتواها كان ينسجم مع التحولات التي كانت تعيشها الحالة الإسلامية، وعقب أحداث بريدة 1994، والتجمعات التي شهدتها، فإن الأفلام التي أنتجت حولها كانت خلفيتها أناشيد تحكي عن الطغاة واحتلال الحرمين والشقاء الذي يعيشه المسلمون، ولكنها كانت هذه المرة بأصوات نجدية قحة.