في نهاية نوفمبر 2014، أفادت أنباء بأن ملفات سرية لشركة "سوني بيكتشر انترتينمينت" قد تم السطو عليها عبر الانترنت وبعضها رسائل بريد إلكتروني أكثر أهمية وسربت إلى الصحافة. ومن بين القصص التي سُربت، التفاوتات في الرواتب وانتقادات لباراك أوباما وإحباط النجم السينمائي "جورج كلوني" من قراءة النقد السلبي عن فيلمه «رجال الآثار». وانتشر زعم على نطاق واسع يفيد بأن كوريا الشمالية هي من ضغط على "سوني" حتى لا تعرض الفيلم الساخر الجديد «المقابلة»، الذي يحكي قصة اغتيال مدبرة للزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون. وكان من المقرر أن يعرض الفيلم على نطاق واسع في الولايات المتحدة في 25 ديسمبر، أي في بداية الاحتفالات بالكريسماس. وبعد الكثير من المناقشات، أبلغت "سوني" فجأة الموزعين الأميركيين الكبار أنها تسحب الفيلم مشيرة إلى مخاوف من حدوث أعمال عنف وهجمات على دور العرض ومستندة في ذلك أيضاً على آراء قانونية من محامي الموزعين أنفسهم. وتسبب هذا في استياء من النقاد الذين أدعوا أن "سوني" ترضخ للابتزاز، وأن كوريا الشمالية تحاول تكميم حرية التعبير. حتى الرئيس أوباما أدلى بدلوه في القضية، وأعلن أنه كان يأمل لو أن "سوني" استشارته قبل اتخاذ قرار عدم عرض الفيلم. لكن مع تصاعد الضغط على "سوني" أعلنت الشركة قبل يومين من الكريسماس أنها ستعرض الفيلم على نطاق ضيق في نحو 300 دار عرض في عدد من المدن الأميركية، وأنها ستطرح الفيلم على الانترنت ليتمكن الجمهور من تنزيله مقابل مبلغ من المال. وكانت النتيجة أن باعت معظم دور العرض كل التذاكر لكل العروض، وأصبح الفيلم أكثر أفلام الشركة تنزيلاً ومبيعاً على الانترنت عبر تاريخها. وشاهد كاتب هذه السطور الفيلم مع آخرين من الأصدقاء والأسرة يوم 24 ديسمبر. لكن يالها من خيبة أمل! الفيلم سيئ. إنه فيلم بلا طعم ومراهق في فكاهته. والأشخاص الأصغر سناً يجدونه مضحكاً فيما يبدو، لكن بعض النقاد وهذا الكاتب يعطونه تقييماً منخفضاً للغاية. وهذا يدعو إلى الرثاء لأن التهكم الجيد، وخاصة ذاك الموجه ضد الطغاة ومسؤولي الحكومات من جميع الأصناف يكون مضحكاً بشكل استثنائي. وأحد الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها صانعو الفيلم هو تحديد هدف عملية الاغتيال المدبرة. وبتحديدهم اسم "كيم جونج أون" ووكالة الاستخبارات الأميركية المركزية (سي. آي. إيه.) أصبح لا مفر من أن ترد كوريا الشمالية بغضب شديد. ولم يتضح بعد إذا ما كانت كوريا الشمالية هي المسؤولة عن السطو على ملفات "سوني"، لكن كان من المحتمل أن تغضب أيضاً لو أن هدف الاغتيال في الفيلم كان بديلاً من صنع الخيال قريب الشبه بزعيمها المبجل. إن أفضل الأفلام الأميركية التي سخرت من الزعماء الأجانب والأميركيين تجنبت دوماً ذكر الأسماء الواقعية لهؤلاء الأشخاص. وحتى فيلم تشارلي شابلن الشهير «الديكتاتور العظيم» وهو محاكاة ساخرة للزعيم النازي أدولف هتلر، والذي عرض قبل بداية الحرب العالمية الثانية أطلق اسم «ادينويد هينكل» على الديكتاتور. والأمثلة الأحدث من بينها الفيلم الكوميدي الرائع لستانلي كوبريك عن الحرب النووية «دكتور سترينجلوف» وفيلم «ذيل الكلب» الذي أخرجه باري ليفينسون عام 1997 وهو صور فريق الموظفين للرئيس الأميركي (من الواضح أنه بيل كلينتون) ينهمكون عن عمد في الزج بالولايات المتحدة في حرب خارجية زائفة مع ألبانيا قبل أسبوعين من الانتخابات العامة لإلهاء الجمهور عن فضيحة جنسية متورط فيها الرئيس. وإذا نظرنا للخلف، لوجدنا أن ردود فعل كل الأطراف على الكارثة الصغيرة لفيلم «المقابلة» كان من الممكن توقعها. أولاً، كان من المتوقع أن تستشيط كوريا الشمالية غضباً وتفعل كل ما في وسعها لمنع عرض الفيلم. وثانياً، كان من المتوقع أن الشركات الأميركية الحذرة دوما من تعرضها للتقاضي أن تقرر وقف عرض الفيلم. وثالثاً، كان من المتوقع أن يغضب الجمهور والمتخصصون من الرضوخ للطغاة والمحامين. ورابعاً، كان لا مفر من توزيع الفيلم مع الأخذ في الاعتبار قوة الانترنت وإمكانياته الهائلة وانتشاره. والأمر الذي لم يكن متوقعاً بنفس القدر هو مدى رداءة الفيلم وحجم الفرصة التي ضاعت على إنتاج فيلم جيد يكون مضحكا وسحريا ليلائم الموضوع.