تدخل الولايات المتحدة السنة الجديدة بانتعاش اقتصادي قوي ومتنامٍ تجسد في خلق القطاع الخاص لحوالي 11,2 مليون وظيفة، وتراجع العجز الفيدرالي من 9,8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2009 إلى 2,8 في المئة خلال عام 2014، بالإضافة إلى النتائج الجيدة التي حققتها سوق الأسهم مسجلة خلال السنة المنصرمة رقماً قياسياً في حجم التداولات. وبعد مرور ست سنوات على الأزمة المالية، يبدو أن الاقتصاد الأميركي أصبح يضطلع بدور المحرك لمجمل الاقتصاد العالمي. ولكن في كل ذلك لم يكن هذا التعافي الاقتصادي حالة عارضة، بل جاء نتيجة منطقية لتصميم الشعب الأميركي، وصلابة الشركات الأميركية، فضلًا عن الخيارات السياسية للرئيس أوباما. وحرصاً منا في الإدارة على استدامة معدل النمو وتثبيت المكتسبات أُدخلت جملة من الإصلاحات التي مسّت بالدرجة الأولى القطاع المالي لتتحول إلى قوانين صادق عليها الكونجرس. فقد انصرمت خمس سنوات منذ أن تعاونت الإدارة مع الكونجرس لتمرير قانون إصلاح «وول ستريت»، وسن قانون حماية المستهلك، وهذه الإصلاحات جعلت النظام المالي أكثر أمناً وصلابة، وجعلت كلًا من المستثمرين والمستهلكين ودافعي الضرائب في مأمن الآن من التجاوزات التي تسبب في الأزمة. وبالنظر إلى الشوط الذي قُطع حتى اللحظة في مسار الإصلاح، وإلى أن الندوب الغائرة التي خلفتها الأزمة ما زالت مستمرة، فإنه من الصعب استيعاب تلك الجهود التي يبذلها البعض لإضعاف قدرة الحكومة على حماية المستهلكين ودافعي الضرائب وتحصينهم من الأخطار المفرطة التي تندفع إليها المؤسسات المالية. فدافعو الضرائب يجب ألا يضطروا مجدداً للتدخل لمنع انهيار الشركات، وهو الأمر الذي جاء قانون «وول ستريت» لضمانه. هذا بالإضافة إلى المؤسسة الأخرى التي أقامها الإصلاح والمتمثلة في مكتب الحماية المالية للمستهلك المكلف بالدفاع عن المستهلك في وجه المنتجات المالية المجحفة التي يروج لها في غفلة منه. ولعل من الدروس الأساسية للأزمة المالية غياب أي هيئة، أو مؤسسة مسؤولية عن رصد الأخطار في عموم المنظومة المالية، وهو ما دفع بقانون «وول ستريت» المذكور لإحداث مجلس مراقبة الاستقرار المالي لتتبع النظام المالي في كليته. وليس خافياً على أحد أن من يناضل لإلغاء تلك الإصلاحات وتقويضها، أو تعطيل تطبيقها، إنما يفعل ذلك من منطلق الرغبة في إضعاف عملية مراقبة «وول ستريت» كلها وضرب أوجه الحماية من أخطارها. فالتركيز على زعزعة الرقابة المستحدثة مؤخراً التي يمارسها مكتب الحماية المالية للمستهلك، والرجوع عن قواعد الشفافية التي فرضها على أسواق المشتقات المالية، وأيضاً سحب التمويل عن الجهات التنظيمية والرقابية المسؤولة عن الرصد والضبط، أمر يرقى في الحقيقة إلى ما يشبه الأجندة الخفية التي قد تعيدنا مجدداً إلى البيئة الخطرة التي سبقت اندلاع الأزمة المالية. وهذه المحاولات تجسدت في الأسبوع الماضي من خلال مشروع القانون الذي أُسقط في مجلس النواب وتهدف إلى تقليص حماية المستثمر والنيل من قانون إصلاح «وول ستريت» في أكثر من منحى، بما في ذلك التسويف المستمر في تطبيق مقتضيات القانون التي تحد من المضاربات التي تجريها البنوك. ونحن أيضاً مستعدون في الإدارة لمواجهة هجمات أخرى مبطنة تستهدف عملية الإصلاح المالي من قبيل مشاريع القوانين المطروحة حالياً والرامية لتسهيل اللجوء للمحاكم من قبل مناوئي الإصلاح لمنع تطبيقه عندما تفشل محاولاتهم في الكونجرس. ولكن بدلًا من الصراع مع الكونجرس لحماية الإصلاح، هناك أوجه تعاون أخرى، فعلى مدار التاريخ أفسحت التجاذبات الحزبية داخل الكونجرس المجال أمام بلورة توافقات كبرى تُغلّب المصلحة العامة، ولذا يمثل تنصيب كونجرس جديد خلال الأسبوع الماضي فرصة أخرى كي يتعاون قادة الكونجرس ومسؤولو الإدارة للتوصل إلى أرضية مشتركة لإنجاح الإصلاح. ومن أوجه التعاون تلك ما يتفق عليه جل الأميركيين، بمن فيهم أعضاء الكونجرس، مثل ضرورة الانصراف إلى إعادة بناء البنية التحتية للولايات المتحدة، وتفعيل اتفاقيات التجارة الحرة حتى تستطيع الشركات الأميركية ولوج أسواق جديدة، وخلق المزيد من الوظائف، فضلًا عن الحاجة لإصلاح الضريبة على الشركات لإلغاء الثغرات المجحفة واستبدالها بمدونة ضريبية أكثر عدلًا وإنصافاً. هذا ومن حق الأميركيين أيضاً أن يتوقعوا من ممثليهم عدم تعريض الاقتصاد مجدداً لذلك النوع من الخطر الذي تسبب في أسوأ أزمة مالية وأقسى ركود تشهده أميركا، وهو لم يكمل بعد عامه السادس وما زال حاضراً في الذاكرة. جاكوب جي. ليو وزير الخزانة الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»