كتبت‎ صحيفة «الجارديان» البريطانية خبراً عن لقاء بين رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون والرئيس الأميركي باراك أوباما، وذكرت الصحيفة أن كاميرون سيطلب من أوباما ممارسة ضغوطٍ على شركات الإنترنت الأميركية مثل «تويتر» و«فيس بوك» لكي تتعاون مع بريطانيا في سعيها لتعقب المتطرفين، وسيسعى كاميرون بحسب الصحيفة للفوز بدعم أوباما لخططه الخاصة بإطار عمل قانوني جديد لحرمان الإرهابيين من «فضاء آمن». وثمة‎ سعيٌ مماثلٌ في بعض الدول الأوروبية لمحاولة السيطرة على الإرهاب وخطابه وتجنيده الذي يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عن مزيدٍ من الانتشار والتأثير، وقد شرعت حكومات أوروبا في استهداف الإرهابيين لديها، والتي تم تجنيد العديد منهم عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، في فرنسا وبلجيكا وألمانيا تم استهداف العشرات وقتل بعض الإرهابيين في المواجهات، وهذه بداية لموجةٍ متوقعةٍ ستعم أوروبا وستعاد صياغة قوانين وتشريعات لرقابةٍ أكبر على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. خطابات‎ الزعماء الأوروبيين ركزت على التفريق بين المسلمين والإرهابيين، من الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وهو ما يعني أن مخاطبة المجتمعات الواقعية لم تزل هدفاً أكبر من مخاطبة ناشطي الإنترنت، ولكن هذا لا يمنع من أن المجتمعات المسلمة المستقرة في أوروبا قد بدأت تختطف من الأقليات الإرهابية الفاعلة التي تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي. وسائل‎ التواصل الاجتماعي في الأصل هي وسائل ترفيه وتبادلٍ للمواقف والانطباعات والصور والأحداث، وهي مرحلة تلت مرحلة انتشار القنوات الفضائية، ولئن كان الانتشار الفضائي قد منح كل شخص خمس عشرة دقيقةً من الشهرة، فلقد منحت مواقع التواصل كل شخصٍ خمسة عشر متابعاً كما عبر أحد الباحثين. شكلت‎ هذه المواقع انفجاراً للرغبة في الشهرة السريعة لدى كثيرٍ من البشر، وهي رغبة يمكن تفهمها في إطارها النفسي والاجتماعي، وربما كان فيها شيءٌ من المنفعة للتواصل بين الفئات الاجتماعية والأفراد، ولكنها حين تتطوّر لتصبح قادرةً على التحشيد والجمع، والتحريض والتجنيد، وحين ينتقل أثرها من العالم الافتراضي إلى الواقع كما جرى في أحداث «الربيع» الأصولي الذي كان يعرف بـ«الربيع العربي»، فإنها تصبح خطراً محدقاً على الناس في كل مكانٍ، وهو خطرٌ تجب مواجهته وإعادة النظر في التعامل معه. على‎ طول التاريخ وعرض الجغرافيا كان لدى الأفراد استرابة دائمة من المؤسسات أو الدول التي تحكمهم، وهذه الريبة كانت تتم السيطرة عليها بأدوات الترغيب والترهيب التي تمتلكها تلك المؤسسات أو الدول، ومصدر تلك الريبة في الغالب هو الجهل بغض النظر عن طبيعة تلك المؤسسة أو الدولة أو عن سلوكها تجاه الأفراد، وقد أفسحت تلك المواقع مجالاً رحباً للأفراد المستريبين للتجمع، والتعبير وتشجيع بعضهم بعضاً أن يكونوا مؤثرين وفاعلين، وإنْ لم يجتهدوا لامتلاك المواهب والعلوم التي تمنحهم ذلك. في‎ هذه المواقع أصبح «الكل» قادراً على مخاطبة «الكل» في «كل» موضوعٍ يختاره، وتواصل الجاهلين يعزز من جهلهم، فالبشر خلقوا متفاوتي الفهم والعلم والقدرات، وبقيت البشرية وستبقى تقودها النخب بغض النظر عن توجه تلك النخب في كل مرحلةٍ تاريخيةٍ، وهذه المواقع ألغت جزءاً كبيراً من الدور الطبيعي للنخب. مشكلةٌ‎ أخرى هي قيام سوق كبيرةٍ للنفاق بين النخب والجمهور، فقد أصبح بإمكان الجمهور أن يمارس ضغوطاً كبيرةً على النخب للتأثير على أفكارها ومواقفها وهو ما فتح باباً لبعض النخب المسكونة بالشعبوية أن تبادل ذلك الجمهور نفاقاً بنفاق وأصبحت تعبر عن رؤاها ومواقفها على طريقة ما يطلبه الجمهور. هذه‎ المواقع أسهمت إسهاماً كبيراً في تقليل نسب القراءة بين الناس نخباً وجماهير والتي هي قليلةٌ في الأصل، فهي مواقع لا يمكن أن تبني ثقافةً ولا أن تصنع وعياً مع قدرةٍ عاليةٍ على التأثير العابر للحدود والقارات، وهنا يتمثل الخطر الجديد للإرهاب والدور الأخطر للإرهابيين. لقد‎ أصبح بإمكان تنظيمات الإرهاب تجنيد الآلاف عبر جهازٍ محمولٍ حديثٍ واستغلال لمواقع التواصل الاجتماعي، وهذا الأمر بدأ مع القاعدة في مواقع الإنترنت وتطور تطوراً كبيراً مع تنظيم داعش ومواقع التواصل الاجتماعي، لقد أصبحت مهمة التحريض والتجنيد مهمةٌ أسهل بكثيرٍ مما سبق، وهي في تطورٍ مستمر ومهارات تنظيمات الإرهاب في استغلالها أصبحت أكثر دقةً وتأثيراً. أخيراً،‎ فإن إيجاد تشريعات جديدةٌ تحدّ من الدور السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي أصبحت ضرورةً ملحةً، ويجب على هذه المواقع الاستجابة لضرورات الأمن الإلكتروني، وكما كانوا مبدعين في ابتكار هذه المواقع فهم قادرون على إبداع تقنياتٍ للرقابة عليها ومنع الإرهابيين من الاستفادة منها.