تأسست الجماعات الأصولية وعلى رأسها الجماعة الإخوانية ضمن مسار أزمات الهوية الموجودة لدى العرب والمسلمين. على أنقاض الاستعمار وانتهاء الدولة العثمانية وبدء بناء الدول العربية، نبتت الأصولية ضمن شعاراتٍ براقة تتعلق بالمقاومة للمستعمر، والمناهضة للقوى الغاشمة، والرغبة بإعادة الخلافة الإسلامية، والممانعة ضد مفهوم الدولة المتشكل حديثاً في الدول العربية، ثم امتطاء قضية فلسطين بالطبع، وذلك من خلال دخول الإخوان على خط هذه القضية الحساسة التي تلامس وتدغدغ مشاعر الناس. كل النشأة للأصولية الإسلامية كانت ضمن أزمة هوية، ذلك أن الانتماء إلى العصر كان مقلقاً ومزعجاً، ولذلك أرادوا إحياء حال الحنين إلى العصور الغابرة من أجل العيش فيها حلماً أو واقعاً، وهذا يصح على جماعة «الإخوان» وعلى تنظيم «داعش». قبل أيام ألقى رئيس حزب «النهضة» التونسي راشد الغنوشي ندوةً قال فيها إن العلمانية ليست إلحاداً، بل هي أداة تنظيمية، أما ثعلب «الإخوان المسلمين» وداهيتهم حسن الترابي ففي كتابه: «الإسلام والحكم»، يعبر عن أزمة حقيقية في فهم معنى الدولة، ذلك أن المفاهيم المطروحة حول «السلطان» و «الآخر» و«العدل» و«الرشد» ليست إلا تعابير عن قلقٍ حقيقي، حيث إنهم لا يريدون أصلاً الدخول في النقاش العصري لمفهوم الدولة المنجز غربياً على سبيل المثال، وفي الوقت نفسه لا يريدون الانكفاء والتصوف والزهد بالسياسة، وعليه فإنهم يبحثون عن ثغرات وإمكانات للنفوذ إلى النظرية السياسية من أجل رسمها بصيغ إخوانية، وكل التنازلات التي تقال حول العلمانية وسواها ليست إلا حيلة «إخوانية» لمخاطبة الجموع، وإلا فإن «الإخوان» لا يمكنهم أبداً الانسجام مع النظم السياسية ذات البعد الهادئ العصراني الحداثي الرزين. يمتد هذا القلق لمثقفي «الإخوان» وهم أشد خطراً، حين يقاربون موضوع الدولة ضمن أزماتهم، نقرأ كتاب فهمي هويدي: «مواطنون لا ذمّيون»، وهو هنا يخاطب العرب غير المسلمين من المواطنين الأصليين، ومجرد إظهار هذا الشعار والنقاش حول بدهية «مواطنة القبطي» إنما يعيد تدوير الأزمة، لكأنك تقول للمسيحي المصري فجأةً ومن دون مقدمات: «حسناً أنت مواطن مصري، لقد اعترفنا بك» وهذه منّة غير مبررة، وعطاء لقيمة مكتسبة أصلاً قبل تأويلات «الإخوان» وحيلهم. لقد حاول المثقف «الإخواني» دائماً أن يظهر بمظهر المنقذ للإسلام من «الحشوية» أو «التقليدية»، غير أن ما يقومون به من جهد دعي لفترة بـ«التنوير الإسلامي»، ليس إلا كومة من الحيل من أجل التواؤم القلق مع العصر الجارف. إنهم يحاولون خداع المجتمعات بحيلهم النظرية المأزومة. في نهاية المطاف فإن أزمة الهوية تراها في كتابات كوادر «الإخوان» وقادتهم، وقبل ذلك «مثقفيهم» الذين صار لهم جلبة بعد «الربيع» الأصولي، وصاروا ينظّرون على الناس بتحليلاتٍ ظاهرها التسامح، وباطنها جرف الطريق نحو القصور والعروش، وهذه حيلة «إخوانية» مكشوفة، لكن يا للأسف كثيراً ما تنطلي على بعض العقلاء وأهل الرشد من حيث لا يشعرون.