عندما نتحدث عن الأمن القومي الاستراتيجي الخليجي، فإننا نضع الاستقرار والتنمية المستدامة في جميع مناحي الحياة، وهما يجب أن تتمتع بهما دول المنطقة ونظمها الحاكمة وسكانها كتلة واحدة كأولوية جوهرية تضمن البقاء لمجلس التعاون الخليجي وعدم التركيز فقط على الجانب المادي من الأمن دون التطرق للأمن المعنوي والفكري والروحي والإنساني والأخلاقي والثقافي والاقتصادي ..الخ فهناك مرتكزات للأمن الخليجي، أهمها وحدة المصير المشترك، ومفهوم الأمن المتكامل لمنطقة متماسكة ومحصنة ضد خطر القهر على يد أي قوة خارجية أو داخلية وفق الوسائل الصلبة أو الناعمة وبصورة مباشرة أو غير مباشرة، ومنع فقدان السيطرة على اتخاذ القرار السيادي وتحديد المصير واتباع الإجراءات التي تضمن لها وحدة أراضيها بداية بتمكين الشعوب من العيش الآمن في ظروف حياتية كريمة تكفل حريتها المسؤولة، وتجعل احترام القانون وتساوي الكل أمامه وسيادة الدستور سيد الموقف في العقد المبرم بين الدولة والفرد، والقضاء على جذور التطرف والعنف والفساد الفردي والجماعي والمؤسسي وعدم التفريط في أمن الحدود الخليجية، انطلاقاً من المساهمة في تأمين الحدود العراقية الأردنية والمصرية واليمنية وتحقيق الاستقرار في مصر العراق واليمن وسوريا وليبيا، فتلك مسلمات أمنية تحقق الأمن الخليجي الداخلي على المدى وتجنب الاستنزاف الأفقي لموارده الأساسية، بما في ذلك السمعة والهوية ومعطيات الدولة الوطنية. وإذا نظرنا لوسائل التواصل الاجتماعي ودرسنا الظواهر الخليجية الحديثة وعقلية الأجيال المختلفة، لأدركنا مدى براعة الآخر في إدارة الفوضى والتجمعات السكانية الإلكترونية، ما يقودنا لأهمية ابتداع هوية مدمجة ذات تحصين ذاتي لا تضيع الماضي، ولكن لا تتجاهل واقع الوضع الراهن وسقوط العديد من القيم الرمزية في منطقة قرابة 70% من سكانها دون سن 30 سنة، فهو جزء من منظومة الأمن القومي الخليجي. والأجدر بالحكومات الخليجية أن تملك مفتاح البوابة الرئيسية لشعوبها، وألا تجعل ذلك المفتاح بيد الغير يدخل ويخرج إلى بيتها متى ما شاء، وتلك هي المعركة الأبرز التي ستحدد ملامح الهوية الخليجية، وتقرر مصيرها في الـ 50 سنة القادمة. ومن التحديات المركزية تحديد الآلية التي ستمكن المنطقة من تحرير الدين الإسلامي من اختطافه على يد إسلام تقليدي يفتقد لديناميكية الإصلاح المعرفي البنائي وإسلام سينمائي درامي يجذب المشاهدين من جميع بقاع المعمورة، وحقيقة أن الصراع على كنز تسخير الدين للكسب السياسي أصبح صراعاً أممياً. ومن جهة أخرى، كيف سيوحد الخليج العربي جهوده لمواجهة الرياح السياسية التي ستهب في السنوات القادمة على منطقة الشرق الأوسط، وقد تقتلع بعض الجذور يصحبها تحول مفاجئ لحركات إسلامية تقليدية أبدلت ثوبها القديم بحلة حداثية زاهية يعطيها مساحة أكبر للتحرك والعمل في المشهد السياسي. والتحدي هنا في مقدرة التأثير والإقناع لتعرية الموروث التي تقف على أرضيته تلك التنظيمات. ومن التحديات المحورية الأخرى للخليج العربي يأتي التعامل مع سيناريو أن المحيط الهندي أصبح نفطه التركيز الرئيسي في سباق استراتيجي محموم مؤثر في مستقبل التجارة العالمية والاتصالات في القرن الحادي والعشرين، وفي المنافسة للحصول على الطاقة والمعادن والطاقة الهيدروكربونية. وكيف ستبدو ديناميكية هيكل استراتيجية الخليج العربي الجديدة في آسيا والمحيط الهادي في ظل النمو السكاني والتغير في الديمغرافية وتحول المجتمعات الخليجية لمراكز شديدة الجاذبية لهجرات إنسانية متنوعة. وهناك دولتان خليجيتان بين الدول الـ 25 الأكثر استقبالاً للمهاجرين في العالم وتأثيراً على السكان في المنطقة والهوية وواقع ديموغرافية فكرية وسلوكية وأخلاقية وثقافية جديدة في منطقة يجمع سكانها روابط وثوابت متأصلة في الجذور. ومع ذلك سنظل نسمع عن بطالة في دول تستورد العمالة الأجنبية بدلاً من تطوير منظومة إحلال وتبادل للموارد البشرية الخليجية والعربية. وأخيراً التهديد النووي والعسكري والتوسع الاستعماري القومي والمذهبي الذي تمثله الجمهورية الإيرانية، وفرض نفوذها بالوكالة في بعض الدول العربية وإنشاء القواعد العسكرية والمذهبية وسيطرتها على بعض الموانئ والصناعات الحيوية وخطوط الإمدادات للمواد الاستهلاكية الأولية، وتمكنها من الحصول على موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية من خلال الصراع اليمني بجانب تحويل بعض العواصم العربية كدمشق وغيرها لمكاتب فرعية للعاصمة طهران. ومن الجانب التنموي، فإن دول الخليج العربي بشكل جماعي معرضة لفقدان ما يقارب ثلث تريليون دولار هذا العام بسبب أسعار النفط، كما أن التقشف في الإنفاق قد يؤثر سلباً على مخططاتها طويلة الأمد، ويترك بعض دول الخليج مع الخيارات الصعبة، خاصة وهي لا تتعامل ككتلة إقليمية لتأمين مصالحها. وتحقيق حوكمة مشتركة لسياساتها الخارجية والتنمية السياسية الداخلية.