يبدو أن جلسات الحوار بين الأطراف الليبية أعطت مؤشرات وأظهرت آفاقاً، شجعت المبعوث الأممي إلى ليبيا، برنادر ليون، على الاستمرار في محاولة التقريب بين هذه الأطراف، إذ أعلن السبت الماضي، من مدينة الصخيرات المغربية، عن إعادة استئناف جلسات الحوار، يوم الخميس المقبل، وأوضح أن قرار تأجيل الجلسات إنما تم بغية إعطاء مزيد من الوقت لدراسة المقترحات المقدمة، ولتمكين الأطراف من «التحضير الجيد لهذه المرحلة الحاسمة من الحوار». وكانت الصخيرات قد شهدت انطلاق اللقاء بين الفرقاء الليبيين بعد أن وافقت «الحكومة المؤقتة» في طبرق و«حكومة الإنقاذ الوطني» في طرابلس على المشاركة في جلسات للحوار، عقب زيارتين قام بهما ليون لكل من طبرق وطرابلس. وقد مثّلت تلك الخطوة تحولا نوعياً في مواقف الطرفين بعد أن قررا الاحتكام للسلاح، وأعلن كل منهما نيته تطهير ليبيا من الطرف الآخر، مما أعطى مؤشراً على أهمية الدور الدبلوماسي لليون في ملف الأزمة الليبية الحالية. ويعد برنارد ليون، وهو سياسي ودبلوماسي إسباني، أحد الخبراء الأوروبيين في سياسات منطقة البحر الأبيض المتوسط والعالم العربي، وقد عمل ممثلا لبلاده في الجزائر وليبيريا واليونان، وتقلّد مناصب في الحكومة الإسبانية، وتولى مسؤوليات في الاتحاد الأوروبي، قبل أن يعينه أمين عام الأمم المتحدة ممثله الخاص في طرابلس ورئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا في سبتمبر الماضي. وقد ولد «برناردينو ليون غروس» في «مالقة» عام 1964، وتلقى تعليمه في مدرسة «سانت ستانيسلاوس كوستا» اليسوعية، قبل أن يتخرج في كلية القانون في جامعة مالقة، ثم يلتحق بمركز الدراسات الدولية في جامعة برشلونة ويتخرج فيه عام 1988. كما درس العلاقات الدولية في كلية كينجز بلندن وفي جامعة السوربون بباريس، والتحق بالسلك الدبلوماسي عام 1989. ومنذ بداية مشواره الدبلوماسي اهتم ليون بمراقبة وتقييم دور الوسطاء الدوليين في عدة صراعات محلية، لاسيما خلال الحروب الأهلية في ليبيريا وسيراليون وأزمات زائير ورواندا وبوروندي، حيث تفاوض نيابة عن حكومة بلاده لإجراء تحقيق حول مقتل ثلاثة إسبان في منطقة البحيرات العظمى. وكان ليون منسق أميركا اللاتينية في مكتب وزير الدولة للتعاون الدولي بين عامي 1989 و1990، وأصبح المستشار الأول لسفارة بلاده في ليبيريا عام 1990، وقنصلها في الجزائر عام 1992، والمستشار الأول لدى سفارتها في أثينا عام 1995، وتم اختياره في 1998 كمتحدث رسمي باسم الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط، ميغيل أنخيل موراتينوس. وفي عام 2004 عُين وزير دولة للشؤون الخارجية في الحكومة الإسبانية، ثم أصبح في 2008 الأمين العام للحكومة والمستشار الأول للسياسة الخارجية لدى رئيس الوزراء الاشتراكي خوسيه لويس ثاباتيرو. ومعلوم عن ليون ميله الاشتراكي منذ أن كان طالباً في الجامعة، وقد انضم للحزب الاشتراكي في عام 1998، وانتخب نائباً لأمينه العام في ملقة 2008. وخلال تلك الفترة قاد وفد بلاده لنيل عضوية مجموعة العشرين الكبار، فاكتسب سمعته كمفاوض دولي. لكنه ترك المنصب في 2011 ليصح ممثلا خاصاً للاتحاد الأوروبي لدى منطقة جنوب المتوسط، سعياً من الاتحاد لاستعادة زمام المبادرة في المنطقة عقب أحداث «الربيع العربي». وركز ليون على الحوار مع الدول العربية، لاسيما تلك التي شهدت بوادر تحول ديمقراطي، مثل تونس والأردن والمغرب. ومع تدهور الأوضاع وانفراط عقدها في ليبيا، قرر الاتحاد الأوروبي تعيين ليون مبعوثاً خاصاً إلى ليبيا في مايو 2014. بيد أنه لم يستطع وقف التدهور الذي أوصل البلاد إلى قيام حكومتين وبرلمانين، فضلا عن وجود مئات المليشيات المسلحة. وباعتبار الخبرة التي اكتسبها من تلك المهمة وما سبقها، وقع عليه اختيار أمين عام الأمم المتحدة، بان كي مون، ليعينه ممثلا خاصاً له في ليبيا ورئيساً لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL)، المنصب الذي كان يتولاه الوزير اللبناني السابق «طارق متري». وفي حينه كانت المعارك بين الفصائل المسلحة قد اضطرت الحكومة المؤقتة برئاسة الثني لمغادرة طرابلس إلى طبرق في أقصى الشرق، ومعها البرلمان المنتخب، بينما أصبحت العاصمة في قبضة قوات «فجر ليبيا». وقد أعرب ليون عن قلقه بشأن أرقام الضحايا المدنيين وتزايد أعداد الفارين من المعارك في أنحاء البلاد، وقال إن ليبيا على شفى «حرب أهلية مفتوحة»، وحذّر من أن استمرار القتال يعيق الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية. لكنه أشرف على أول جولة للحوار بين أطراف الصراع الليبي، أواسط يناير الماضي في جنيف، دعا لها ممثلين عن مدينة مصراته و«فجر ليبيا»، ولم يدع ممثلين عن «حكومة» عمر الحاسي المعلنة من جانب واحد، أو المؤتمر الوطني المنتهية ولايته. ثم أعلن في فبراير الماضي أن جميع الأطراف أدركت مدى تدهور الوضع في ليبيا، وأن الأمر يحتاج إلى حل سياسي يتطلب من الليبيين الانتصار على خلافاتهم الثانوية. وتقوم استراتيجية ليون على إطلاق عدة حوارات متوازية، منها حوار الصخيرات الذي انطلق في الخامس من مارس الجاري ودام ثلاثة أيام، بين ممثلي البرلمان المنتخب ونظرائهم من المؤتمر الوطني، وقد ناقشوا ثلاثة قضايا رئيسية: إبرام اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإعادة عملية الانتقال الديمقراطي إلى مسارها. ثم أشرف ليون على مسار آخر للحوار احتضنته الجزائر يومي 10 و11 من مارس الجاري، وشارك فيه ممثلو الأحزاب والقوى السياسية، وخلص إلى التوافق على وثيقة من 11 نقطة تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، والتمسك بحل سياسي للأزمة. هذا علاوة على حوار آخر مرتقب بين ممثلي القبائل في القاهرة، وآخر رابع بين ممثلي الفصائل المسلحة في جنيف. وكما يرى ليون فإن تلك الحوارات تمثل الفرصة الأخيرة لليبيا، والتي يقول عن حق، إنها تنهار اقتصادياً وأمنياً، جرّاء حروب أجندات ليس بينها السلام والتنمية والديمقراطية! محمد ولد المنى