ثمة مفارقة لافتة في دفاع إدارة أوباما المستميت عن اتفاق نووي مع إيران، ففي الوقت الذي يدعي فيه البيت الأبيض أنه لا بديل عنه لدى منتقدي الاتفاق سواء من إسرائيل والجمهوريين، إلا أنه هو نفسه كرر احتمال انسحابه من المفاوضات إذا تبين أن الاتفاق سيكون سيئاً، وأنه لا تأكيدات على قبول إيران بالشروط الأميركية. فهل تبقى الحرب إذن هي الخيار الوحيد أمام أوباما في حال فشلت المفاوضات وتداعت؟ بالطبع لا، فعندما سئل نائب مستشار الأمن القومي، «بن روديس»، مؤخراً عن الكيفية التي ستمنع بها الولايات المتحدة إيران من حيازة السلاح النووي بعد انتهاء صلاحية الاتفاق، أجاب قائلًا: «الحقيقة أن نفس الخيارات المتاحة حالياً ستكون موجودة أيضاً بعد 10 أو 15 سنة»، وهي بالأساس فرض العقوبات والتهديد بالضربة العسكرية، فضلًا عن جمع المعلومات الاستخبارية والتفتيش الدولي، وهو ذات الأمر الذي منع إيران من الوصول إلى القنبلة الذرية طيلة السنوات الماضية. وحتى إن كانت بنيتها النووية قد توسعت خلال هذه الفترة، يبقى أن وكالات الاستخبارات الغربية لم ترصد أي «بعد عسكري» للبرنامج النووي منذ 2003. ولكن في جميع الأحوال يبقى وجه الاختلاف الأساسي بين التوصل إلى اتفاق من عدمه هو ما يحاول أوباما تجاهله، أو تلك الصيغة الخفية التي تتجاوز الاتفاق إلى مجمل الوضع الإقليمي، وهو بالتحديد ما يطرح السؤال عن طبيعة العلاقة التي ستربط بين الولايات المتحدة وإيران في السنوات المقبلة، وأيضاً الاستراتيجية الأميركية لاستعادة النظام في منطقة الشرق الأوسط التي تخترقها الفوضى والإرهاب؟ وهذا التساؤل طرحه «مارتن إنديك» من معهد «بروكينجز» وهو المبعوث السابق للرئيس أوباما إلى الشرق الأوسط، حيث يرى، كما أرى أنا، أن أي نظام إقليمي جديد ستختاره أميركا للمنطقة سيكون إما مع إيران، أو ضدها، علماً بأن اتجاه الخيار نفسه سيعتمد اعتماداً كبيراً على مآل الاتفاق النووي. إذ يرى «إنديك» أنه «من دون اتفاق نووي من المستحيل تصور تعاون مع إيران حول القضايا الإقليمية، ولكن في ظل الاتفاق سيصبح التعاون ممكناً». ولكن احتمال الانخراط في التعاون مع إيران يقلق خصوم إيران في المنطقة الذين يظل البرنامج النووي الإيراني بالنسبة لهم جزءاً من المساعي الإيرانية للسيطرة على الشرق الأوسط، وهو ما حدا بأوباما إلى التقليل من شأن هذا الجانب الذي يهم العلاقات الأميركية الإيرانية بعد الاتفاق النووي، بل أرسل وزير خارجيته، جون كيري، إلى المنطقة ليؤكد أن أميركا «لا تبحث عن صفقة كبرى مع إيران». بيد أن التطمينات الأميركية لا تخفي الحقيقة التي تشير صراحة إلى التداعيات الجيوسياسية للاتفاق مع إيران، فبدون الاتفاق ستبقى إيران قوة عدائية يجب احتواؤها. وفيما إذا توصل الطرفان إلى صفقة فمن المرجح أن تسعى إدارة أوباما إلى التفاهم مع إيران حول مستقبل العراق وسوريا، ولاسيما أن أي تحرك في هذين البلدين يكون ضد إيران سيهدد بتقويض احتمالات التوقيع على اتفاق نووي. والحاصل أن مفاوضات أوباما مع إيران ليست مرتبطة فقط بامتلاكها السلاح النووي، بل هي مرتبطة أيضاً بمستقبل الشرق الأوسط، وبصرف النظر عن مناورات البيت الأبيض فالأرجح ألا تكون هناك حرب أخرى مع إيران، فيما ستحدد نتيجة المفاوضات من هو المنتصر في الصراع طويل الأمد على النفوذ في المنطقة الممتدة بين الخليج والبحر المتوسط. جاكسون ديل كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»