تواجه شركات الاتصالات الهاتفية حول العالم تحديات عديدة تهدد باضمحلالها وربما إفلاسها في السنوات القادمة، وذلك بسبب التطور الهائل في مجال الاتصالات عبر شبكة الإنترنت، وبالأخص بعد انتشار أجهزة الهاتف الذكية وتسويق أجيال جديدة من هذه الأجهزة مرتبطة بالأقمار الاصطناعية وقواعد البيانات التي توفرها شركات عملاقة تتمتع بتقديم خدمات عابرة للحدود. لقد تمكنت شركات الاتصالات الهاتفية جزئياً حتى الآن من محاصرة الشبكات عبر الانترنت، كـ«سكايب» و«فايبر» و«توك ري» و«واتس آب» واسع الانتشار، والذي استحوذ على 85% من الرسائل النصية «sms» وكلف شركات الاتصالات خسائر كبيرة. مؤخراً أدخلت خدمة «الواتس آب» على المكالمات الهاتفية المجانية بنظام «الأندرويد» المستخدم أساساً في هواتف «سامسونج ». وبعد أيام قليلة ستتوفر نفس الخدمة بنظام «ios » المستخدم في هواتف «آي فون»، حيث وجهت الخدمة الجديدة بعمليات منع في العديد من البلدان، إذ إن هناك إمكانية بأن تنتشر استخدامات هذه الخدمة بأسرع من خدمة الرسائل النصية، خصوصاً وأن الاتصالات من خلالها تتميز بجودة عالية. ولكن إلى أي مدى تستطيع شركات الاتصالات محاربة الخدمات الجديدة التي توفرها شبكات الانترنت المتطورة؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي لا يمكن الإجابة عليه بسهولة، فعملية المنع المتبعة حالياً، والتي تعتبر الحل الأسهل لن تجدي نفعاً في المستقبل، إذ يتضح أن شركات الاتصالات لم تستوعب حتى الآن حجم التغيير الذي يتوقع حدوثه قريباً جداً، والذي سيؤدي إلى تغييرات جذرية في طبيعة الاتصالات الدولية. التقدم المتوقع في السنوات القليلة القادمة سيتيح إمكانية الاستغناء عن معظم الخدمات التي تقدمها شركات الاتصالات الحالية، فالجيل الجديد من الهواتف الذكية المتوقع طرحه بعد سنوات يتيح الاتصال الدولي من خلال الشريحة التي يتضمنها الهاتف نفسه والتي توفر له الاتصال الهاتفي المجاني بمجرد ربطه بشبكة الانترنت ودون الحاجة إلى مزود محلي، على أن يتم ذلك من خلال نفس المصنع، أي بين مصنعي «آيفون» من جهة ومصنعي «سامسونج» كل على حدة، كمرحلة أولى. أما الاتصال بالانترنت فسيتم من خلال بالونات فضائية تجرى عملية التحضير لها حالياً وتتوفر بالمجان أيضاً ويمكن ربطها من أي بلد في العالم بتكلفة لا تتجاوز دولارين أميركيين في الشهر، مما يعني سحب البساط تماما من شركات الاتصالات التقليدية. نعرف جيداً أنه من الصعب على شركات الاتصالات تقبل هذه الحقائق، إذ إنها استثمرت مئات المليارات في البنية التحتية بكافة البلدان، وأنها تنتظر تحقيق عوائد وأرباح على هذه الاستثمارات، ولكنه في الوقت نفسه لا يمكن الوقوف في وجه التطور التقني السريع، علما بأنها توظف آلاف الأشخاص، وتدفع الكثير من الضرائب ومع ذلك، فإن التغير قادم ولا مناص منه. ومع الوقت يبدو أنها ستفسح المجال أمام الشركات التي تقدم خدمات أرقى من خلال شبكة الانترنت، مما يعني أن الشركات القديمة، إما أنها ستنصهر في الشركات الجديدة، وإما أنها ستغير من طبيعة خدماتها لتتلاءم والمستجدات في قطاع الاتصالات وصناعة الهواتف الذكية. وبما أن معظم شركات الاتصالات في العالم، هي شركات مساهمة عامة ومدرجة في البورصة، فإن طرح هذا الموضوع على بساط البحث وإيجاد مخارج للتأقلم مع الأوضاع الجديدة في سوق الاتصالات، يعتبر أمراً ذا أولوية لهذه الشركات التي تقتصر إجراءاتها حاليا على منع مكالمات الانترنت، وهو إجراء قصير الأجل، في الوقت الذي يتطلب الأمر إيجاد معالجات بعيدة المدى، بما في ذلك الاستثمار في الشركات الجديدة والتي أضحت تكتسي بعداً عالمياً في ظل العولمة وانفتاح الأسواق.