يعتقد الكثيرون بأن إيران بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية صمام أمان مهم يتعلق بمستقبلها كدولة عظمى، حيث تعتبر واحدة من أهم أوراق الضغط على دول الخليج العربي ومصر بصورة خاصة من خلال تواجد الانتداب الإيراني تارة والاستعمار الإيراني تارة أخرى في دول عربية متعددة، كالعراق واليمن وسوريا ولبنان. كما يمثل الثقل الجيوسياسي والاقتصادي والأيديولوجي الإيراني عبأ استراتيجياً بدوره على الصين وروسيا والهند وتركيا. فإيران تعد بوابة مرور واسعة لثروات منطقة دول الاتحاد السوفييتي السابق، خاصة ثروات بحر قزوين ودول القوقاز الجنوبية - أرمينيا، وأذربيجان، وجورجيا، والتي تمثل واحدة من أحدث جبهات المنافسة بين الولايات المتحدة وإيران. فأهمية إيران وموقعها المهم كجار أكبر للخليج العربي ليس محور الإستراتيجية الأميركية بالضرورة، ولكن أحد أضلاع المثلث والاستمرار في شراء المزيد من الوقت لتمكين إيران من مد نفوذها في جميع الاتجاهات، وتحويل البوصلة الدبلوماسية عكس عقارب الساعة بالخوض في نغمة التغيرات في السياسة الإيرانية نحو إسرائيل، ومشاورات الطاقة النووية، ووقف الإرهاب السُني، وتقويض الطموح الصيني، ولذلك فإن "محور الشر" تتلون أضلاعه وفقاً لأولويات الأمن القومي الأميركي. ولهذا تسمع عن سعي إيران في إطار المفاوضات، لنزع سلاح "حزب الله" وتحويله إلى منظمة سياسية بحتة لتحكم إيران لبنان بصورة رسمية أو تجد إيران تتحدث عن وقف دعهما لحركة "حماس"، بعد أن دعمتها لتصبح دولة في وسط دولة وتعزيز التفكك الفلسطيني الفلسطيني، وبالتالي تحقيق الأمن الإسرائيلي بعكس الصخب الإعلامي وشعار الموت لإسرائيل، فالحقد الفارسي على العرب لا يهذبه الإسلام القومي الذي يؤمنون به ونظامهم الحاكم ومؤامراته لبناء الدولة الأمامية الشيعية الكبرى مستمر بأي ثمن وبأي وسيلة ممكنة. فعندما يتفاوض الغرب مع إيران تلعب الطاقة جزءاً لا يتجزأ من نجاح أو فشل المفاوضات، خاصة وأن المنطقة قد تعاني من العجز في الطاقة إذا استمرت توجهات الاستهلاك الحالية. والتقارب الاستراتيجي لواشنطن مع طهران، يحتم أن يكون لإيران موقع في قلب الخليج العربي وعلى مفترق الطرق بين الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وجنوب آسيا، كما أن شركات النفط والغاز الروسية والصينية والهندية والماليزية تسحب البساط ببطء. ولكن بخطى ثابتة من الشركات الأوروبية ولوبي صناعة النفط والغاز الأميركي أكبر المتضررين من تلك العملية التي تغرد خارج إطار عولمة السيادة الأميركية الاقتصادية غير المباشرة على العالم في ظل سباقها المحموم مع الصين، ومن له مصلحة واضحة في زيادة المعروض من النفط والغاز لأسواق الطاقة العالمية، أو التحكم المدروس في الحد والسيطرة على نمو إمدادات النفط والغاز إلى الأسواق العالمية والإقليمية. فدولة مثل روسيا مثلاً يهمها أن تحد من خيارات إيران لتصدير الغاز الطبيعي لأوروبا، والذي من شأنه أن يساعد في تهديد دور المورد المهيمن على نحو متزايد في أسواق الطاقة الأوروبية، فالوضع برمته في غاية التعقيد، وليس كما يعتقد الكثيرون بأن أهمية إيران للغرب والصين وروسيا والهند ليست أهمية قصوى ومسألة تتعلق بموازين القوى العالمية وتحديد مسارها. فهل هناك محدودية في الخيارات الإستراتيجية والتكتيكية المتاحة للوطن العربي ضد التحالف الأميركي الإيراني وكل من له مصلحة في منطقتنا مع إيران؟ حيث انطلقت السفن الحربية الأجنبية من كل صوب نحو اليمن بحجة أو بأخرى لحماية أهدافها. ونحن بعيدون كل البعد عن التوصل إلى ضمانات تفاهم استراتيجي معلن واسع النطاق مع واشنطن وبكين موسكو ومومباي وبعض العواصم الأوروبية. وقبل كل ذلك طهران ومكاتب تمثيلها في عواصم الدول العربية المحتلة سياسياً مراهنين على حلفاء يؤمنون بأن التاريخ الذي سطروه ولصق في عقول الكثير من ساستهم واقع منطقي وهي مسألة صراع بين الإمبراطوريات وتفوق طبيعي للإنسان الأعلى الذي يملك إرادة القوة التي تكتسب ولا تمنح فالعرب في ثقافتهم خارج تلك الحسبة، وليس سراً كيف ينظر إلينا ويقيمنا الغرب وإيران، فمتى سنقيم أنفسنا بما نستحق ونقيمهم بما يستحقون كما فعلنا في "عاصفة الحزم" وموقفنا الشجاع ضد مخطط الدولة الفارسية التي كانت تستخدم الأراضي اليمنية كقاعدة وجهت منها مئات الصواريخ نحو المملكة العربية السعودية. فالمدينة ومكة هما هدف إيران بكل وقاحة والسيطرة على تلك الأراضي المقدسة جزء ثابت في عقيدة الملالي. وأميركا ما يهمها من كل ذلك هو هيمنتها وحماية مصالحها. فمتى نصحو من غفلتنا وقبلتنا مستهدفة، وحتى لا تصبح صفوية؟ اجعلوها صحوة عربية لتتحول «عاصفة الحزم» لعاصفة الحسم، فالحياة من دون كفاح ومبادئ مشرفة، تبدو لي بأنها مجرد غلطة، فلا نامت أعين الجبناء.