الآن فقط اكتشف بعضنا أن الأمن العربي مسؤولية أبنائه أكثر منه أن يكون غير ذلك، وأنه ينبغي على العرب أن يكونوا أكثر قوة وتماسكاً، لأن المقابل هو انتكاسات عربية جديدة، مع أنني لست ضد موقف برلمان الباكستاني في قرار «الحياد» في الحرب، إلا أن ما لفت الانتباه أن البعض كأنه تفاجأ واكتشف شيئاً جديداً، مع أن السياسة فيها كل شيء، وفق الأخلاقيات السياسية يفترض من باكستان أن تكون أقرب لمواقفها مع دول الخليج، ولكن من حيث المصلحة السياسية، فإن إيران تمثل تهديداً لاستقرار باكستان، وبالتالي تستطيع تحريك الملف الطائفي فيها، خاصة وأن المتشددين من الطرفين فيها بإمكانهم عمل كل شيء، كما أن الاكتشاف العربي، تمثل أيضاً في موقف الرئيس التركي طيب أردوغان بعد توقيع اتفاقيات تجارية مع إيران خلال زيارته الأسبوع الماضي لطهران، فمعروف أن قصة نجاح تركيا مبنية على أسس اقتصادية، وتوقيع إيران للاتفاق النووي مع أميركا يسيل لعاب الكثير من الدول في العالم، وبالتأكيد تركيا واحدة من تلك الدول. في الواقع، إذا كان ذلك اكتشافاً جديداً، فهي كارثة بكل المقاييس على الأقل، لأن الولايات المتحدة الأميركية «الحليف الاستراتيجي» للعرب تخلى عنهم في أكثر من موقف سياسي. المرة الأولى، مع «الإخوان المسلمين» أثناء ما كان يسمى بـ«الربيع العربي». ومرة ثانية، بتوقيع اتفاقية مع إيران رغم أنها تشك في النوايا الإيرانية في تطبيق الاتفاقية. وإذا أردنا أن نكون أكثر دقة وموضوعية، هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض الدول العربية فيها إلى «انتكاسة» من الذين نعتقد أنهم يرتبطون معنا بعلاقات جيدة، أقربها علي عبدالله صالح الرئيس اليمني السابق الذي لقي دعماً سياسياً ومعنوياً خليجيا، ومن ثم تحالف مع أعدائهم، لكن ربما سريعا ما ننسى ما يحدث. أتفهم ردة الفعل الغاضبة لدى الرأي العام العربي على موقف الدولتين، إلا أنه يكون من الأفضل أن نترك مجالاً للتفكير بعقلانية، وأن لا نقيم المواقف بمعزل عن سياق المصالح السياسية، فهي الرافعة الأساسية في بناء العلاقات بين الدول، وبما أن الدول العربية تطوقها دول إقليمية كبرى لكل مصلحته فيها، فإنه لا بديل من التركيز على حماية نفسها. عاطفياً، من حق الخليجيين أن يعبروا عن غضبهم واحتجاجهم من موقفي كل من باكستان وتركيا ليس بسبب أن مصالح بلدانهم السياسية تتطلب ذلك، أو لأن الحسابات الداخلية في دولهم تفرض عليهم، ولكن لأن موقف الدولتين كانا غير واضحين، بل وملتبسين، فمرة مع التحالف العربي ومرة أقرب للموقف الإيراني الذي يساعد على زعزعة الاستقرار في اليمن. ومن حقهم أن يغضبوا أيضاً لأن في مواقف مثل هذه، ينبغي على الدول أن تكون واضحة لأن الجميع في «لحظة مصيرية» وبالتالي يفترض أن تتخذ قرارات استراتيجية فيها. الموقفان «أخلاقياً» أقرب لنكص بالوعد، ولكن في الناحية السياسية لا بد أن تتوقع الأسوأ حتى من أقرب الدول هذه هي الواقعية السياسية، وبالتالي لا بد أن نتغلب على عواطفنا، لذا ينبغي أن نكون أكثر هدوءاً مع أن الأمر يحتاج إلى تلك الغضبة والاحتجاج. في العلاقات الدولية كل شيء المصالح هي «المتغير الثابت»، وما عدا ذلك فهو متحرك، بما فيها العاطفة الدينية. قد لا يخلو هذا الكلام من عاطفة كردة فعل للموقف الباكستاني والتركي، ولكن أيضاً لا يخلو من الصحة أيضاً يستوجب علينا إدراكه والنظر إليه بموضوعية وواقعية، ولأن فكرته مطبقة في العلاقات بين الدول، كما أننا عشنا بعض تجاربها، وبالتالي فإن في السياسة كل شيء قابل للتطبيق، ومع أن الأمر قد يكون غير مستغرب، ولكن يعني الكثير في العلاقات العربية مع جوارها الجغرافي، أو هكذا ينبغي أن يكون الأمر، فإذا كان بعض العرب يعتقدون أن إيران تمثل تهديدا لإسرائيل وبالتالي ينبغي الوقوف معها، فإن عليهم ألا يستغربوا لو وجدوا أنها تخلت عن كل ما هو ديني بما فيهم حلفاؤها. الفكرة، أن دول الجوار الجغرافي العربي لا يمكنها أن تتنافس ضد بعضها، ولا يمكن أن تتحارب مباشرة، ولكنها تستخدم الدول العربية «ساحة» لمخططاتها الجيوسياسية. التخطيط دائما ضد الدول العربية، ولا يوجد حقيقة ما يقلقها من بعضها سوى العرب!