أثار الإعلان الأخير عن إطار عمل «لوزان» بشأن البرنامج النووي الإيراني نقاشاً سياسياً وشعبياً حيوياً. وهو نقاش مهم تستحقه الدولة، ولابد أن يرتكز على الوضوح بشأن تفاصيل المعايير التقنية المتفاوض عليها من أجل «خطة عمل شاملة مشتركة ونهائية». وقد التحقت بفريق التفاوض الذي يعمل مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري في فبراير الماضي، ولكن خلال المفاوضات، شارك خبراء نوويون بارزون من وزارة الطاقة ومعاملها القومية في وضع وتقييم المقترحات التقنية بحذر بالغ من أجل المساعدة في تحديد المواقف الأميركية. ونتيجة لذلك، جاء الإعلان عن المعايير الأساسية للاتفاق في الثاني من أبريل الجاري بسويسرا ليقدم طريقاً واضحاً من الناحية التقنية من أجل اعتماد البرنامج النووي الإيراني برنامجاً سلمياً، أو الكشف بشكل سريع إذا انقلب إلى غير ذلك، وتوفير متنفس للرد على نحو ملائم. وكررت إيران تأكيد التزامها بسلمية البرنامج، ولكن واقع العقوبات الأميركية والأممية يبرز قلق المجتمع الدولي حيال أنشطة إيران النووية في الماضي. وعليه، لا يعتمد «تفاهم لوزان» على الثقة، وإنما على متطلبات عملية تقودها التجربة والمراقبة من شأنها تقييد أنشطة إيران وضمان الشفافية والقدرة على دخول منشآتها. ويتمثل جزء مهم من المعايير في مجموعة من القيود التي تزيد بشكل كبير الوقت الذي يلزم إيران لإنتاج المواد النووية الضرورية لتصنيع سلاح نووي، إذا سعت إليه. والوقت اللازم في الوقت الراهن يتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر فقط، ولكن في ظل «خطة العمل الشاملة المشتركة والنهائية»، سيزيد الوقت اللازم إلى عام على الأقل، وتبقى هذه المدة سارية لعشرة أعوام. وهي فترة كافية جداً للقيام برد فعّال. وتمنع المعايير إيران من خوض أربعة طرق تؤدي إلى الحصول على سلاح نووي، والطريق الأول من خلال إنتاج البلوتنيوم في مفاعل «آراك»، وطريقين إلى الحصول على سلاح باستخدام اليورانيوم من خلال منشآت التخصيب في «ناتانز» و«فوردو»، والأخير هو النشاط السرّي. وبداية، لن تمتلك إيران مصدراً للحصول على البلوتنيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة. فمفاعل «آراك» سيخضع لعملية إعادة تصميم، على أن يتم اعتماده دولياً لإنتاج كميات أقل بكثير من البلوتنيوم، وغير المستخدم في تصنيع الأسلحة. وإضافة إلى ذلك، تم الاتفاق على أن كميات الوقود المشع كافة التي تحتوي على البلوتونيوم، سيتم إرسالها خارج الدولة طوال فترة عمل المفاعل. وأي محاولة لاستخدام مفاعل «آراك» لإنتاج بلوتونيوم من الدرجة الصناعية سيسهل اكتشافه. وعلاوة على ذلك، لن تتوافر لإيران، ولأجل غير مسمى، قدرة على استخلاص البلوتونيوم من الوقود المشع في أي مفاعل، إلى جانب عدم إجراء أبحاث وتطوير على مثل هذه المعالجة. ولن يتم بناء أي مفاعلات أخرى تعمل بالماء الثقيل، من النوع المرتبط ببرامج الأسلحة لمدة 15 عاماً، وسيتم التخلص من أي كميات زائدة من الماء الثقيل. ويحول إطار العمل الموقع من دون طريق الحصول على البلوتونيوم. ومن أجل قطع الطريقين المؤديين إلى تصنيع سلاح باليورانيوم، ستقلص إيران عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة في مفاعل «نتانز» إلى نحو خمسة آلاف جهاز، مقارنة بالعدد الحالي الذي يقدر بنحو عشرين ألفاً، ولمدة عقد ستحتفظ طهران بأجهزة طرد مركزي من طراز «آي آر 1 أس»، وهي أقدم النماذج الإيرانية وأقلها قدرة. وعند ربط ما سبق بخفض مخزونها من اليورانيوم المخصب من عشرة أطنان إلى 300 كيلو جرام فقط، والتخصيب إلى مستوى أقل من 3.7 في المئة، فإن الوقت اللازم لتجميع ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصناعة القنبلة الأولى يواكب شرطنا الأساسي بمدة لا تقل عن عشرة أعوام، وسيستغرق الأمر مدة أكبر لتجميع سلاح كامل. وسيظل سقف مخزون اليورانيوم سارياً لمدة 15 عاماً. وإضافة إلى ذلك، لن تمارس إيران أنشطة أبحاث وتطوير على نموذج جهاز طرد مركزي أكثر تطوراً ضمن النطاق اللازم لاستخدامه بثقة في عملية الإنتاج. ولن تستخدم مفاعل «فوردو» المنشأ تحت الأرض في تخصيب اليورانيوم أو إجراء أبحاث وتطوير، وفي الحقيقة لن يتم السماح بوجود يورانيوم في المنشأة. وستزيل طهران نحو ثلثي أجهزة الطرد المركزي والبنية التحتية مباشرة، مع بقاء أكثر قليلاً من عشرة في المئة من أجهزة الطرد المركزي قيد التشغيل. وبمرور الوقت، سيتم تحويل أجهزة الطرد المركزي المتبقية إلى أنشطة لا علاقة لها باليورانيوم. وسيصبح مفاعل «فوردو» مركزاً للأبحاث الفيزيائية والنظائر الطبية. وبنود المراقبة في الاتفاقية تسهّل اكتشاف أي سوء استخدام للمنشأة. وأما الطريق الأخيرة وهو إنتاج مواد انشطارية كافية لتصنيع سلاح نووي من خلال وسائل سرية، فنحن نعترضه بإجراءات حماية ودخول إلى المنشآت غير مسبوقة ليس فقط في منشآت التخصيب، ولكن أيضاً في سلسلة إمداد اليورانيوم الكاملة من المناجم إلى تصنيع وتشغيل أجهزة الطرد المركزي. ويمثل التحقق من سلسلة إمداد اليورانيوم التزاماً مدته 25 عاماً. وهذا الاتفاق ليس معاهدة مدتها 10 أو 15 أو 20 عاماً، وإنما هو اتفاق مرحلي مبرم لأجل طويل. وإذا اكتسبت إيران ثقة المجتمع الدولي في أهدافها السلمية خلال هذه الفترة الممتدة، فستتقلص القيود على مراحل، على أن تبقى التزاماتها بمعاهدة حظر الانتشار النووي والبروتوكول الإضافي سارية لأجل غير مسمى. وتظل خيارات الرد سواء عقوبات أو دبلوماسية أو غيرها قائمة. وإلى جانب البنود السياسية الأخرى التي تتضمن إطار العمل الذي تفاوض عليه كيري وشركاؤه، تمثل عملية التفاوض الأخيرة خطوة مهمة نحو عالم أكثر أمناً. إيرنست مونيز: وزير الطاقة الأميركي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»