أصدرت وزارة الصحة نهاية الأسبوع الماضي بياناً صحفياً تحذر فيه من أن بعض المكملات الغذائية المستخدمة لأغراض الحمية وفقدان الوزن، أو كمقويات جنسية، هي غير مرخصة، ومن شأنها أن تخلف تبعات وعواقب وخيمة، على حسب ما جاء في البيان. وتضمن البيان تحذيراً خاصاً، من أن تسعين بالمئة من الأدوية والمكملات الغذائية التي تباع عبر المواقع الإلكترونية، مغشوشة، وغير مسجلة. وبنظرة سريعة لمحتويات هذا البيان، نجد أنه يتعرض دفعة واحدة، لعدد من قضايا الصحة العامة، التي ظهرت على السطح في الآونة الأخيرة، والتي تتمتع بخصوصية محددة، بداية من المكملات الغذائية، وتأثيراتها السلبية على الجسم، سواء كانت مغشوشة أم لا، ومرورا بصيدليات الإنترنت، ونهاية بالغش الدوائي. فعلى صعيد المكملات الغذائية، يمكن إدراك حجم التجارة في هذه الطائفة من المواد الكيميائية، من حقيقة أنه يوجد حالياً أكثر من 50 ألف صنف مختلف مطروح في الأسواق، ومن كون أكثر من نصف الأميركيين -55 في المئة- يتناول نوعاً أو آخر من أنواع المكملات الغذائية، ما يجعلها تجارة يُقدر حجم مبيعاتها السنوية بمليارات الدولارات. هذا على رغم أن الفوائد المرجوة من هذه المكملات ليست بالأمر الواضح أو المباشر، حيث لم تخضع تأثيراتها العامة والمتعددة على الجسم لدراسات علمية مستفيضة، ولا يتم تسويقها وبيعها تحت شعار تحقيق الوقاية أو لعلاج مرض ما، بل أحياناً ما تتسبب في ضرر وأذى صحي، حيث أظهرت الدراسات أن تناول بعض أنواع هذه المكملات الغذائية، وما يعرف بمضادات الأكسدة، يرتبط بارتفاع في احتمالات الوفاة المبكرة. ومما يزيد الطين بلة، أن العديد من هذه المكملات الغذائية، وخصوصاً التي تباع على الإنترنت، مغشوشة، ضمن الظاهرة المستفحلة لتزوير الأدوية والعقاقير الطبية، والتي تزداد من المنظور العالمي، مدى وانتشاراً، يوماً بعد يوم. لدرجة أنها أصبحت تعتبر من أهم التحديات التي تواجه منظومة الصحة العامة على المستويين الدولي والمحلي، حيث يمكن أن يقع أي شخص، في أي مكان من العالم، ضحية لهذه العملية الإجرامية، من خلال شراء وتناول دواء أو عقار، سواء كان أقراصا، أو كبسولات، أو غيرها من أشكال الدواء المعتادة، يبدو كما لو أنه تم تعبئته وتصنيعه بالشكل السليم، ولكنه لا يحتوي في الحقيقة على أي من المادة الفعالة، وفي بعض الحالات قد يحتوي على مواد شديدة السميّة. وعلى رغم أنه في بعض الدول من النادر التعرض لمثل هذه الجريمة، إلا أنه في العديد من الدول الأخرى، يتعرض الكثيرون لتناول أو تعاطي دواء أو عقار مزور، وبشكل يومي تقريبا. حيث تشير التقديرات إلى أن ما يقارب من 10 في المئة من الأدوية والعقاقير المتداولة حول العالم حالياً، هي إما مقلدة أو مزورة، وهي النسبة التي ترتفع إلى 50 في المئة من الأدوية التي يتعاطاها المرضى بشكل يومي في بعض دول العالم الثالث. ومما ساعد على تفاقم ظاهرة الغش الدوائي، الانتشار المتزايد منذ العقد الماضي، للمواقع الإلكترونية المتخصصة في بيع الأدوية والعقاقير الطبية، فيما أصبح يعرف بصيدليات الإنترنت (Internet Pharmacy)، بالإضافة إلى المواقع التي لا تكلف نفسها حتى عناء استخدام صفة الصيدلية. ويتضح مدى تأثير التجارة الإلكترونية في دعم وازدهار مبيعات الأدوية المزورة والمقلدة، من خلاصة استنتاجات تقرير صدر قبل عدة أعوام، عن إحدى الجهات الاستشارية البريطانية المتخصصة في مكافحة التزوير في مجال الأدوية والعقاقير. وخلُص هذا التقرير إلى أن فقدان القوانين والتشريعات التي تحكم عمل هذه الصيدليات، من شأنه أن يضع حياة الكثيرين في خطر، وأن يعرضهم لعمليات غش ونصب واسعة النطاق. فمن خلال متابعة خبراء المركز الاستشاري لأكثر من ثلاثة آلاف موقع، لم يكتشفوا فقط أن العديد من هذه المواقع يبيع الأدوية دون وصفة طبية، بل إنه يُحتمل في كثير من الحالات أن تكون هذه الأدوية منتهية الصلاحية، أو مغشوشة من الأساس. فبمقارنة أسعار ستة من الأدوية واسعة الاستخدام، كانت بعض المواقع تبيع تلك الأدوية بخُمس سعرها في الصيدليات العادية، أي بخصم يقدر ب80%. وبناء على ديناميكيات سوق الدواء الثابتة والمعروفة، نادرا جدا ما تمنح الشركات المصنعة للأدوية خصما بأكثر من 25% للصيدليات الكبرى، فكيف تأتَّى لتلك المواقع أن تبيع بهذا السعر، إلا إذا كانت تبيع دواءً فاسداً، أو منتهي الصلاحية، أو مغشوشاً، أو ربما حتى مسروقاً.