لقد كان من المذهل أن نشاهد الاقتصاد الروسي يتكيف مع الانخفاض الحاد في أسعار النفط. وبمساعدة قليلة من البنك المركزي، ربما لا يكون الركود الاقتصادي في البلاد بذلك القدر من السوء الذي كان متوقعاً في السابق. وبعد فترة مبدئية شهد فيها «الروبل» هبوطاً وقفزت معدلات التضخم، مع ارتفاع أسعار الأغذية 15,4 في المئة على أساس سنوي في ديسمبر الماضي، غيّر تدخل البنك المركزي الأوضاع تماماً، فأدى رفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل، التي سجلت في الوقت الراهن 14 في المئة، إلى استقرار سعر صرف «الروبل»، وربما تتمكن من السيطرة على أسعار المستهلك. وقد أسفرت سلسلة الأحداث الاقتصادية عن خسائر انعكست على مستويات المعيشة في روسيا. وفي الربع الأول من عام 2015، تراجعت الدخول المعدلة بناء على مستويات التضخم 1,4 في المئة مقارنة بالعام السابق. وهبطت مبيعات التجزئة 6,7 في المئة، وكشفت متاجر للبيع بالتجزئة، مثل «إم فيديو إلكترونكس» عن تراجعات أكبر. وتأثرت الواردات بشدة، بسبب ضعف القوة الشرائية لـ«الروبل»: ففي يناير وفبراير، انخفضت 37,9 في المئة مقارنة بالعام السابق. وكذلك لم تحقق الإيرادات المالية للدولة أداء جيداً، وتوقعت مؤسسة «ستاندرد آند بورز» يوم الجمعة الماضي ارتفاع العجز المالي الروسي إلى 4,4 في المئة خلال العام الجاري، وهو ما يزيد على نسبة الـ3,7 في المئة التي توقعتها الحكومة. وعلى رغم ذلك، ثمة دلالات على أن انخفاض سعر صرف «الروبل» من شأنه أن يساعد بعض المنتجين الروس على منافسة الواردات. وبالطبع انخفض الإنتاج الصناعي 14,6 في المئة خلال الربع الأول مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، حيث مُنيت صناعة الملابس، التي تعتمد بشكل كبير على مواد مستوردة، بالخسارة الأكبر. بيد أن منتجات الأغذية الروسية زادت 3,5 في المئة، وهو ما يشي بأن بدائل السلع المستوردة ربما لا تكون مجرد حلم يراود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. والسؤال الآن: هل سيؤدي ارتفاع «الروبل» من جديد إلى عرقلة التعافي الاقتصادي داخل روسيا، ولاسيما أنه أفضل العملات أداء في العالم حتى الآن خلال العام الجاري، إذ حقق مكاسب بلغت 16 في المئة مقابل الدولار الأميركي. ويعني ذلك أن صناع السياسات لا يرغبون في ارتفاعه بشكل أكبر. ويؤكد وزير الاقتصاد «ألكسي يوليوكييف» أنه يدرس سعر صرف معدّل عند 50 «روبل» للدولار، وبدوره أكد محافظ البنك المركزي الروسي، «إليفيرا نابيولينا»، يوم الجمعة الماضي أن «المركزي» مستعد لخفض سعر الصرف الرئيسي، في خطوة من شأنها المساعدة على كبح جماح ارتفاع العملة الروسية. وهذا بالتحديد هو ما يرغب فيه المحللون، فهم يحذرون من وجود إفراط في شراء «الروبل»، ومن ثم بدأ في تقليص الميزة التنافسية التي حصلت عليها روسيا من خفض قيمته. ويودون أيضاً أن يشتري البنك المركزي عملات أجنبية للحفاظ على سعر الصرف منخفضاً وتعزيز احتياطياته، التي بدأت تتراجع في منتصف مارس الماضي، واستقرت عند 354,1 مليار دولار. ومن الواضح أن هناك تناغماً بين البنوك والجهة التنظيمية في روسيا، فبعد تصريحات «نابيولينا» بدأ «الروبل» يتراجع، فاقداً 1,5 في المئة من قيمته أمام الورقة الخضراء. وبشكل عام، يقود أداء الاقتصاد الروسي بعض المحللين إلى أن يكونوا متفائلين بشكل كبير بشأن عمق ركوده. وتتوقع الآن وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيفات الائتمانية 2,6 في المئة تراجعاً في الناتج الاقتصادي الروسي، وهي نسبة قريبة من توقعات «جولدمان ساكس»، وتقل عن توقعات «بلومبيرج» التي سجلت إجماعاً على معدل انكماش 4,05 في المئة. وعلى رغم التسامح بشكل مفاجئ مع سياسات بوتين الخاطئة، لا يبدو أن الروس سيستسلمون وينتظرون انهياراً اقتصادياً، وربما تعلموا أمراً أو أمرين منذ انهيار الاتحاد السوفييتي بشأن كيفية التعامل مع الأزمات، وبغض النظر عن مدى ارتفاع صوت شكواهم (وهي صفة قومية)، إلا أن مثل هذه المهارات لم تندثر بعد. ليونيد بيرشيدسكي كاتب روسي مقيم في برلين يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»