فوز صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، بجائزة الشخصية الثقافية لهذا العام له دلالات تلزمنا الوقوف عندها كثيراً، ويستدعي الوقوف تحية للقائمين على جائزة زايد للكتاب على أهمية اختيار بو راشد لنيل هذه المنزلة التي تشرف سموه ويشرف هو بذاته الجائزة العميقة في معانيها وتأثيراتها على الواقع الثقافي في إماراتنا الحبيبة. نحن أمام قامة سيادية قيادية أباً عن جد، ظهراً وبطناً، فأبو راشد يرفدنا دائماً برؤيته الثاقبة للأمور وحصافة تفكيره المستقبلي أينما حضور، حتى في خلواته وفلواته، كما يصفه القريبون من سموه فلا يهدأ له بال حتى يخرج بعمل أو بفكرة لا تخطر على بال اللصيقين به فضلاً عمن يتعاملون معه عن بعد. إننا اليوم نتحدث عن شخصية ثقافية فذة، فالثقافة التي نعنيها هنا بالنسبة لسموه هي الشمولية في تفكيره وليست المحدودية ولا الحدية، فهو الذي يرفض الاستحالة في تحقيق ما يريد ابتداء ويحيل تلك الاستحالة المظنونة إلى واقع يشهد عليه العالم أجمع. فسلالة آل مكتوم الكرام منذ الشيخ سعيد وراشد ومكتوم رحمهم الله وحتى عهد بو راشد الميمون، نرى في دبي جوهرة الجواهر التي لا تقدر بثمن المادة الزائلة، هؤلاء البناة الذين صقلوا هذه الجوهرة الفريدة بأفكارهم المستقبلية النيرة، حتى أصبحت «رؤيتي» لبوراشد رؤيتنا جميعاً، و«ومضات» فكره ضياء أفكارنا كلنا، فهي التي تقودنا اليوم نحو حياة مستدامة في كل جوانبها، وهي التي غدت وقود حركتنا اليومية، عندما قلبنا صفحات تلك الأفكار وجدنا في كل فكرة باهرة مشروعاً على الأرض أكثر انبهاراً من الفكرة ذاتها، لأنها لامست الواقع الحقيقي للمجتمع. والأهم من كل ذلك أن أفكار بو راشد الرشيد في قيادته لدفة الأمور بعيدة عن «اليوتوبيا» أو الطوباوية فهو رجل يقدم العمل ببعد نظر، ومن هنا استطاع أن يحرث البحر ويجرف الخور، في ظاهرة لم تتكرر منذ آلاف السنين، ولكنها أصبحت مرئية وملموسة في مرمى أبصارنا ومتناول أيدينا. وأقرب دليل على ما نذهب إليه من صاحب الفكر الثاقب تدشينه لمؤسسة الفضاء التي تستعد لإرسال المسبار الإماراتي إلى المريخ لاستكشاف هذا الكوكب عبر عقول أبناء البلد، ولمشاركة الدول المتقدمة ومنافستها فضائياً فيما تذهب إليه من مسعى كوني أبعد مدى وأوسع نطاقاً من مد البصر. إن استحقاقية بو راشد لهذه الجائزة الثقافية جاءت من سعة إدراك هذه الشخصية المعجزة في طريقة تناولها لكل مشروع تنموي مستدام وفي كافة مناحي الحياة. لمن يريد المزيد عليه النظر بتعمق إلى «المدينة المستدامة» التي تذهب بنا بعيداً في الخيالات لطريقة العيش اليومي للإنسان في هذه المدينة من الإعجاز المميز. مدينة معمرة للإنسان الذي يريد أن يهنأ بالسعادة والرخاء في أبهى صورة وأرقى منزلة، فالتلوث فيها غير مسموح لأن الكربون ممنوع من الدخول والطاقة المستخدمة في مكوناتها نظيفة نظافة أشعة الشمس في تصدير ضوئها إلى عروق تلك المدينة الباهرة. ونذكِّر بما أجاب عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن حجم المشاريع أو الأفكار التي تم تحقيقها حتى الآن في إحدى المناسبات، فكان جوابه واضحاً وشفافاً، حيث أشار سموه إلى أن ما تم إنجازه إلى الآن لا يتعدى العشرة في المئة مما هو مخطط له حتى عام 2050 حسب الخطة الاستراتيجية المستدامة لإمارة دبي. ترى كيف نتصور دبي في خيالاتنا اليوم لما بعد عام 2050 عندما نسمع عن صاحب هذا الفكر الألمعي، بأن الخيال ذاته قد يعجز عن سبر ما يمكن تحقيقه خلال الأعوام القليلة المقبلة من عمر التاريخ الذي يحدثنا يومياً بأن الإمارات في ظل هذا الفكر الذي ينضح بالحياة المستدامة، يضخ إلى أروقة وعروق الدولة دماء النماء الدائم في زمن قياسي إذا ما قسنا ما تحقق على يدي بو راشد الذي استمد من والده راشد رحمه الله أفضل ما فيه وهو ما كان يردده دائماً بأن أعمالنا تعلن عن نفسها قبل الإعلان عنها، فهلا أدركنا حقيقة مستقبل دولتنا التي وضع بنيانها رجالات لم يفت الإعجاز في عضدهم لأنهم خلقوا من الإعجاز ذاته سفينة تقود مستقبلهم. فهنيئاً لبو راشد ما ناله وهنيئاً لشعب هذا قائده.