ما زالت سياسة حافة الهاوية المتبعة مع اليونان مستمرة، ويبدو أن الوقت لن يطول قبل أن تتكشف الأمور عن خبر سيء لن يكتفي بإزعاج اليونانيين، بل سيقض مضاجع الأوروبيين أيضاً، فقد ساد اعتقاد راسخ في الآونة الأخيرة داخل الاتحاد الأوروبي أن فشل اليونان في سداد ديونها وتعرضها للإفلاس لن يضر البلدان الأخرى، والحال أنه اعتقاد خاطئ، فلو سارت الأمور على هذا النحو وتُركت اليونان لتحمل الأعباء والخروج من «اليورو» سيأتي يوم تندم فيه أوروبا على اقترافها أكبر خطأ منذ إقامة «اليورو»، فالحكومات الأوروبية تصر على استسلام الحكومة اليونانية وقبولها بشروطها للتدخل وتقديم الدعم المالي المنتظر، إذ حسب هذا التفكير يتعين أولا على الحكومة اليونانية الالتزام بمواصلة الإصلاحات المتفقة عليها قبل تسلم فلس واحد، وبمعنى آخر يتعين على حكومة «أليكسيس تسيبراس» ليس فقط أن تُخلف وعودها للناخبين، بل إن تفعل ذلك علناً. لكن حتى لا نُحمل كل المسؤولية للاتحاد الأوروبي لا بد من الإشارة إلى أوجه القصور العديدة في أداء الحكومة اليونانية التي تبنت منذ البداية سياسة متطرفة قائمة على أخذ كل ما شيء، أو تركه كله، الأمر الذي أثار حفيظة الأوروبيين، ولعل ما زاد الطين بلة طريقة التفاوض التي انتهجتها الحكومة اليونانية، ومطالبتها مؤخراً لألمانيا بتعويضات الحرب العالمية الثانية، بحيث يبدو أن اليونان راهنت على تخوف الأوروبيين من انهيار البلاد وعدم قدرتهم على تحمل ذلك، وهو ما تبين اليوم أنه رهان خاطئ. لكن ورغم كل تلك الأخطاء اليونانية، تبقى حكومة «تسيبراس» محقة حول شيء واحد أنه لا يمكن الاستمرار في نفس السياسات التقشفية التي فرضتها المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، ذلك أن أخطاء تسيبراس وفريقه ليس مبرراً لفشل تلك المؤسسات بطرح الحل الذي سيكون في مصلحة الاتحاد الأوروبي أولا، فما لم تستلم أثينا 7.2 مليار دولار من القسط المتبقي من برنامج الدعم الحالي لن تستطيع سداد دفعة المستحقات المالية التي تنتظرها في شهري مايو ويونيو المقبلين، ولأن صندوق النقد الدولي أوضح أنه لن يسمح بأي تأخير فإن الحل هو إشهار الإفلاس والخروج من منطقة اليورو. لكن في هذه الحالة سيخسر صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي أكثر مما سيكسب، هذا ناهيك عن احتمالات العدوى وانتقال المشاكل الاقتصادية إلى باقي الدول الأوروبية، فلحد الآن تعتقد الحكومات الأوروبية أنها بمنأى عن الانهيار في اليونان، وأنها قادرة على احتواء الأمر، لكن خروج اليونان سيفاقم الأخطار على مجمل الاتحاد الأوروبي، فرغم التحسن الطفيف في أداء الاقتصاد الأوروبي بفضل انخفاض قيمة «اليورو» وتراجع أسعار النفط، يبقى الاقتصاد ضعيفاً، ولا يستطيع تحمل صدمات إضافية قد يحدثها إفلاس اليونان وخروجها من الاتحاد الأوروبي، ما يعني أنه لا بد في المحصلة النهائية من توافق بين الطرفين، وقد أبدى «تسيبراس» مرونة أكبر في الفترة الأخيرة، بحيث يمكن لبرنامج الدعم أن يجمع بين حاجة اليونان لتخفيف ديونها وشطب جزء منها على الأقل، وكذا التزامها بإخضاع ماليتها العامة للمراقبة حتى لا تتكرر الممارسات السابقة المغرفة في الإنفاق والتبذير، لكن قبل الوصول إلى ذلك يجب أولا إزالة خطر الانهيار المالي لليونان والرجوع عن حافة الهاوية. كلايف كروك: كاتب أميركي متخصص في الشؤون الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»