ما واقع «الأخلاقية المهنية».. في صحافة الجزائر؟ هل هم مثلنا «والحال من بعضه».. والنقائص هنا وهناك متماثلة؟ نعرف الكثير، بحكم القرب والاحتكاك المباشر، عن أوضاع الحياة الصحفية وظروف الكتاب والعاملين في الإعلام الصحفي وأخلاقيات المهنة وغير ذلك في دول المشرق العربي، ولكن ماذا عن هذه الجوانب في صحافة شمال أفريقيا؟ الأستاذة الجزائرية «حسينة بوشيخ»، من جامعة «باجي مختار» درست «بيئة العمل الصحفي»، وأثر هذه البيئة في ممارسة أخلاقيات المهنة في الصحافة غير الحكومية، من خلال «عينة انتقائية قوامها 40 فرداً من الطاقم الصحفي لجريدة الشرق اليومية الجزائرية»، ونشرت هذه الدراسة في دورية «رؤى استراتيجية» الإماراتية، عدد أبريل 2014، الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.. فماذا وجدت؟ كان من ضمن أهداف الدراسة معرفة أهم الصعوبات التي تواجه الصحفيين، ومعرفة واقع أخلاقيات المهنة في الصحافة الجزائرية حسب رأي الصحفيين فيما يعايشونه يومياً، سواء من خلال تجاربهم الخاصة، أو من خلال إدراكهم لما يحيط بهم. ما الصعوبات المهنية التي تواجه الصحفي الجزائري في أثناء تأدية مهمته؟ أكثر الآراء أشارت إلى «تعذر الوصول إلى مصادر الأخبار الرسمية»، و«صعوبة تغطية الأخبار الميدانية»، و«تقلص هامش الحرية». أما أخطر هذه الصعوبات وأدعاها للحرج الإعلامي فهماً، كما جاء في الدراسة، «المس بجوهر المواضيع مع إبقاء التوقيع عليها»، و«إجبار الصحفي على كتابة مواضيع معينة»! 80% من الصحفيين ممن تحدثت الدراسة معهم خلال إجراء الدراسة، أكدوا «صعوبة الوصول إلى مصادر الخبر الرسمي في الجزائر». وجاء في الدراسة كذلك أن الصحفيين يشتكون من «تهرب الجهات الرسمية من الرد على أسئلتهم أو تزويدهم بالبيانات والمعلومات والتصريحات الضرورية في بعض الأوقات». اشتكى الصحفيون كذلك من صعوبات مادية تمثلت في تدني الرواتب وتعطل مستمر في شبكة الانترنت وعدم إقرار منحة السبق الصحفي وعدم توافر وسائل النقل ساعة الحاجة. واشتكوا من «صعوبات معنوية»، وبخاصة «الضغط النفسي» يعتبر أكثر من ربع العينة الصحفية عدم إقرار منحة للسبق الصحفي من أهم النقائص المادية»، والتي تتساوى تقريباً مع نسبة المطالبة برفع الأجور. وتواجه الصحفي الجزائري «صعوبات معنوية» داخل مؤسسته، على رأسها «الضغط النفسي»، تليها «طريقة تعامل المسؤولين معهم»، حيث وصفها نحو 33? منهم بأنها غير مرضية. وترى العينة الصحفية الجزائرية أن «غياب التكوين العلمي والتدريب على العمل في المؤسسات الإعلامية، هو العامل الأساسي في تقهقر مستوى الصحافة»، يضاف إليه ضعف الإعداد المهني في الجامعة. كما أن العمل الصحفي، يقولون، «أصبح متاحاً أمام فئات لا تمتلك الموهبة الضرورية والكفاءة العلمية»، بل إنْ هذا العمل بات خاضعاً لمعايير غير مهنية كالمصالح الشخصية والنفوذ، إضافة إلى توظيف أشخاص لا علاقة لهم بالمهنة لتجنب دفع الرواتب المجزية، حيث تقبل هذه الفئة العمل بأقل الأجور». وتتفق آراء 70? من العينة في الدراسة على أن الواقع المهني في الحياة الصحفية تفرض «مساومة على أخلاق المهنة الصحفية» فهناك «التحيز لأطراف نافذة»، وكذلك «عدم الاهتمام بمصداقية الخبر»، إلى جانب نشر أخبار غير مؤكدة والخضوع للمسؤولين. الصحفيون أكدوا للدراسة «وجود انتهاك للخصوصية، والكتابة مقابل المال أو الحصول على هدايا وامتيازات غير مشروعة». أما «أهم الممارسات اللاأخلاقية في الصحافة الجزائرية» حسب الصحفيين، فأبرزها التهاون في صحة الخبر، اللامبالاة والتجرد من حس المسؤولية، السبق الصحفي على حساب الدقة، رفض الانتقال إلى موقع الحدث، إبراز قضايا وتهميش أخرى، قبول الهدايا والكتابة مقابل المال! هل مثل هذه الظواهر واسعة الانتشار في صحافة الجزائر غير الحكومية؟ ما يلفت النظر أن معظم الدراسات الإعلامية في المكتبة العربية تركز على شمولية الحكومات وتدخلها في الحياة الصحفية، وما تظهره مثل هذه الدراسة، وربما غيرها، أن مصدر تعثر الإعلام والصحافة خاصة ليست الحكومات بالضرورة. والآن، ماذا عن الأخلاقيات الصحفية والإعلامية في الصحافة الكويتية والخليجية.. وبقية العالم العربي؟ ربما في دراسات أخرى! كاتب ومفكر- الكويت