قبل عدة سنوات أخبرنا وأخبرونا أن النيران التي تلتهم العراق لابد من وصول لهيبها إلى مناطق أخرى، وأن النظام الذي استباح دم أهله لا بد له من ولادة نظام مشوه مجرم مثله، وأن المسلم السُني الذي يقتل ويشرد في ميانمار وفي الصين يحارب في دينه. ويعيش الفلسطينيون في غزه حصاراً، والأقصى تحتله بنادق عسكرية مغتصبة. وفي العراق يُقتل أكثر من ألف عالم دين، ناهيك عن الأبرياء التي تخرج فتوى مجرمة بقتلهم بحجة أنهم «نواصب» وأن قتلهم باب من أبواب الجنة. لم يرع أمثال «داعش» إلا هؤلاء الذين أفتوا باراقة دم السُني، ولم تزرع هذه الفتنة ومساقاتها إلا أميركا التي حولت العراق إلى ساحة حرب بين أطياف الشعب، ومنحت المفاتيح لإيران تفعل ما تشاء. فلو سقط بشار، وتمكنت عشائر العراق من تسلم زمام الحكم في بلادها، لما كانت ولا توالدت موجات العنف بكل هذه السرعة. ولعل أهل إيران الذين فروا منها إلى دول الخليج في أربعينيات القرن الماضي يعلمون حق العلم، كيف كان تفجير المساجد لعبة أسهمت في تفريغ إيران من آلاف من أبناء الطائفة السُنية. فماذا يمكن أن يغرس العنف إلا العنف، فالبطش قد يُسكت الأصوات لمدة أيام، لكن الصراخ المتراكم يولد حالة انفجار لا تُبقي ولا تذر. فالظلم هو السير عكس الفطرة التي خلقها الله للإنسان، فالأرض بنيت على العدل، ويختل الميزان في حال تزلزلت هذه القيمة، ولا أصعب من أن يرى المسلم وسائل الإعلام تتهم الإسلام السُني بالإرهاب، وفي الوقت نفسه تغض هذه الوسائل الطرف عن إرهاب إسرائيل ودعوة رجال دينها إلى إبادة العرب ويعلنون تطرفاً وعنفاً شرساً لأنها أوامر ربانية، وعلى الضفة الأخرى يعتلي الملالي منابرهم ليحرضوا على إبادة العراقي السُني انتقاماً من التاريخ، ولا يذكر أياً من هذه الأخبار لا أخبار المسلمين ووصمهم على طول الخط بالإرهاب، وكأن بعض وسائل الإعلام تحولت هي الأخرى إلى بوق لإيران يقول ما تريد ولا يرى إلا ما ترى. فمنذ عشرات السنوات والشيعة والسُنة جيران، وأبناء بلد واحد لم يسأل أحدهم غيره عن مذهبه، فإيران تهرب من انهيارها الداخلي لتصدر الإرهاب لسوريا ولبنان واليمن والعراق، واليوم دول الخليج. ومن يدفع الثمن هم الأبرياء الذي ينتمون لها مذهبياً، واستغلت هي هذا الجانب لتحولهم إلى ضحايا إرهاب سُني ويبدأ الانشقاق الداخلي. ما نحن مقبلون عليه في دول الخليج العربي ليس سهلاً، والحل ليس في قضية أمنية ربما تطيح بالبريء قبل المتهم، الحل في إعادة بناء التماسك الخليجي وتفعيل سياسة تسعى لمزيد من الأمان، وإلى تصدير لغة منصفة مبتعدة عن الاتهام الجزافي والجارح للمسلمين، فمجاملة الغرب بالموافقة باتهام الإسلام، هو اعتراف ضمني بأن الدين هو السبب، وفي الحقيقة أنها لعبة السياسة، التي تطيح بكل القيم دون أن تلتفت إلى حجم النيران البعيدة. كاتبة إماراتية