هل تذكرون ميلاد «اليورو» عندما تعين على الدول إزالة مجموعة من العراقيل الاقتصادية لتعتبر جديرة بالعضوية؟ وكانت معايير الديون والعجز التجاري تخدم غرضين وهما منع الدول المسرفة من تشويه العملة الجديدة، والتأكد من أن كل بلد بمجرد قبوله يستطيع الصمود في أوقات الشدة والرخاء على السواء. والغرض الأول هو ما يجعل زعماء أوروبا يرون ضرورة التخلص من اليونان، والغرض الثاني هو ما يجعل جهودهم الجهيدة لإبقاء اليونان في «اليورو» غير ملائمة وقاسية بشدة. ويهيأ لي أن محاولات اليونان التي تتزايد استبسالاً للبقاء في نادي «اليورو» توحي بشيء من الماسوشية (اللذة بالتعرض للتعذيب)، واستقواء أوروبا لمنع أول خروج من «اليورو» به مسحة من السادية (الاستمتاع بممارسة التعذيب). فبعد أقل من أسبوعين من إعلان النصر في استفتاء يرفض شروط صفقة الإنقاذ، تخلى رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس فعليا عن سيطرته على كل شيء ومن بينها الأصول التي يتعين بيعها لتقليص ديون البلاد إذا وجد من يشتريها. وأشار رئيس وزراء مالطا «جوزيف موسكات» إلى أن حكومة «تسيبراس» بعد شهور من المقاومة «قبلت عملياً كل شيء». وكتب «بول كروجمان» في نيويوك تايمز «مطالب جماعة «اليورو» هذه مجنونة.. هذا يدخل في نطاق الرغبة في الانتقام والتدمير التام للسيادة الوطنية ولا أمل في الإنقاذ. ويفترض أن المقصود بها تقديم ما لا تستطيع اليونان قبوله لكن حتى بوصفها هكذا فإنها خيانة بشعة لكل ما يفترض أن يمثله المشروع الأوروبي». ويرى هولجر شميدينج من بنك بيرينبيرج الألماني الخاص أن الاتفاق المقترح «نصف صفقة». ويعتقد بيرندان براون من بنك ميتسوبيشي يو. إف. جيه. أن هناك «توقعا متضخما» بشأن ما تستطيع الخصخصة جمعه. ويؤكد نيك كونيس في أيه. بي. إن. أمرو إن احتمالات خروج اليونان من اليورو مازالت مرتفعة وهدف بيع الأصول غير واقعي. ومحور الاتفاق الذي سيصوت البرلمان اليوناني عليه هو إنشاء صندوق خاص للخصخصة. وتحدد بنود الاتفاق قيمة «الأصول اليونانية المهمة» بـ 50 مليار يورو (55 مليار دولار) تنقل إلى الصندوق. وعندما ظهرت فكرة الخصخصة لأول مرة عام 2011 باعتبارها حلا لأزمة الديون، اُفترض أنه من الممكن جمع 50 مليار يورو. وتخلى رئيس الوزراء تسيبراس عن خطط لتقليص نصيب الحكومة البالغ 51 في المئة في شركة «بابليك باور» المسؤولة عن توليد ثلثي الطاقة وتقريبا كل إمداد البلاد من الكهرباء بعد انتخابه في يناير. وفي ذاك الحين، جمعت اليونان 3.1 مليار يورو فقط في أربع سنوات مع إصرار الإدارة التي يتزعمها حزب «سيريزا» على عدم تنفيذ خطط بيع مواني البلاد وشركات المياه وخدمة البريد. وإذعان تسيبراس يعني أن الدائنين يمكنهم التجول في البلاد لاقتناص أي لافتة مكتوب عليها «للبيع». والتفاؤل المبالغ فيه بشأن مقدار ما يمكن جمعه من نقد يبين مدى حرص الجميع على التظاهر بأنه يمكن صمود اليونان اقتصاديا داخل حدود منطقة اليورو. وأحسب أن هذا خطأ. وكتبت من قبل أن اليورو سيكون أفضل حالا من غير اليونان وأن اليونان ستكون أفضل حالا بغير اليورو. وبالنظر إلى الصفقة المذلة الحالية المعروضة فأنا مقتنع أكثر من أي وقت مضى أن إبقاء اليونان في القالب الاقتصادي الصارم لعضوية اليورو يمثل الحل الخطأ. كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»